قصّة و عبرة
بعد يوم عمل مرهق، توجه إلى محطة القطار ليعود إلى القاهرة. لم يجد مكاناً فى القطار الذى سوف يتحرك الآن إلا واقفاً..
فكّر: كنت صائماً، وقد استيقظت من الصباح الباكر، وقضيت يومى فى العمل.. فهل أتحمل ساعتين أو ثلاث واقفاً من الأسكندرية إلى القاهرة؟؟؟
ثم توجه إلى موظف شباك التذاكر قائلاً: ومتى سيغادر القطار التالى من فضلك؟
أجابه الموظف: فى تمام الساعة الخامسة والربع
فقال له: إذاً أعطنى تذكرة من فضلك
أخذ التذكرة بعد أن دفع ثمنها، وقال لنفسه: حسناً، حتى يحل موعد القطار سأذهب لأصلى المغرب وأشترى طعاماً أفطر عليه.
الآن هو عائد إلى المحطة ليركب القطار ممنياً نفسه بكرسى مريح فى قطار الدرجة الأولى، ليتناول إفطاره ثم ربما لينام قليلاً، أو ينظر من الشباك ويتأمل ما مر به خلال يومه، أو ربما يقرأ كتاباً..
ولكنه وجد القطار يغادر الرصيف!
فأخذ يجرى مهرولاً خلفه ليلحق به، والناس فى القطار ينظرون إليه..
أخذ يجرى خلف القطار بكل ما أوتى من قوة ومشاعره تتأرجح بين القلق والأمل..
أخذ يجرى وقد تعلق أمله بالقطار..
هاهو كاد يلحق بالقطار..
هاهو وصل إلى باب القطار..
ولكن..
انغلق الباب فى وجهه…
أبطأ خطواته ثم توقف تماماً
أطرق بوجهه إلى الأرض وقد استبد به الإحباط
مازال مطرقاً بوجهه إلى الأرض، وأخذ يتحرك بخطى ثقيلة وهو يفكر:
ماذا فعلت حتى يحدث هذا لى؟ لقد ذهبت أصلى، وكنت صائماً اليوم فذهبت لأشترى إفطارى؟؟
يبدو أننى كان يجب أن أعود أسرع من ذلك، لم يكن من الضرورى أن أشترى إفطاراً. ألم يكن من الممكن أن تشترى من القطار؟!
هاهو القطار قد فاتك
وضاعت عليك التذكرة
ماذا ستفعل الآن؟؟
هل سأجد مكاناً فى القطار القادم؟ وماذا إذا لم أجد؟ هل سأضطر إلى الانتظار؟ أم ترانى قد كتب علىّ السفر واقفاً؟
ولكن كيف ستقف ثلاث ساعات؟!
هل سأضطر إلى المبيت بالأسكندرية هذه الليلة؟
ولكن أين؟!
إذاً قد يكون علىّ أن أبحث عن فندق
تكلفة زيادة.. ومجهود زيادة.. ووقت ضائع…
أفففففففففف
وبينما هو كذلك إذ جاءه رجل: مالك يا بنى؟
فأجابه بصوت يائس: لقد فاتنى القطار وضاعت على التذكرة
فقال له الرجل: أعطنى التذكرة أراها
وبعد أن دقق فيها النظر، رفع وجهه نحوى وهو يرفع حاجبيه وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة خفيفة، ثم قال بصوت يلوؤه الحماس: ولكن القطار الذى فاتك لم يكن قطارك، وهذا هو قطارك يدخل المحطة.
مد يده يأخذ منه التذكرة، وهو ينقل عينيه بين الرجل والتذكرة والقطار غير مصدق ما سمع، ويقول فى نفسه: معقول؟! لم يفتنى القطار؟ هذا هو قطارى؟ وسأجلس على كرسى مريح وأتناول إفطارى وأبيت الليلة فى بيتى؟! الحمد لله
نظر إلى الرجل وقد تهلل وجهه، وشكره، ثم ودعه وانصرف مسرعاً إلى قطاره وقد شعر بقوة الأمل تدب فى روحه وجسمه.
جلس يتناول إفطاره وهو يفكر:
سامحنى يا رب على أننى ربما أكون قد أسأت الظن بك..
ماذا لو كنت لحقت بالقطار الماضى؟ لو كان حدث، لكنت الآن أقف فيه إذ ليس لى مكان، وفوق هذا كنت سأضطر إلى شراء تذكرة جديدة وتضيع علىّ تذكرتى!
الحمد لله
نظر إلى الشباك وشرد بنظره، ثم استطرد فى تأملاته:
كم من أشياء فى حياتنا نلهث خلفها ونبذل كل ما فى وسعنا من أجل الظفر بها ولكننا لا ننالها وتنغلق الأبواب فى وجوهنا، فنصاب بالإحباط واليأس معتقدين أن الخير قد تركنا..
ولكننا بعد ذلك نكتشف أن ما فاتنا فاتنا، لأنه ببساطة لم يكن لنا..
0 التعليقات:
إرسال تعليق