أهرب من الفقر ما أستطعت
ليس العَوَز ولا الفاقة ولا نقص المال ما أقصده بالفقر؛ فهذا مما نهرب منه دون نصيحة أو توجيه؛ وإنما فقر الثقافة والمعرفة ما أقصده.
لا تكن قنوعاً أبداً بالبسيط منها، ولا تكسَل عن زيادة رصيدك من المعلومات.. فتّش في بطون الكتب والمجلّدات والصحف وشبكات الإنترنت عما يزيد من معلوماتك، وبالتالي من حجم أفكارك وفهمك ووعيك.
بعض الناس لا يهتم أبداً بتنمية وتطوير ما لديه، أراه دائماً محصوراً في منطقة ضيّقة، لا تتسع أفكاره ولا أُفقه لحوار مبدع؛ فبناؤه الفكري لا يسمح بذلك.
وأنَّى له أن يُماشي تطوّر الحياة من حوله أو يتجاوب مع الآخرين، وثقافته كلها مُستقاة من أحاديث المقاهي ودردشات الأصدقاء، ولم يُرَ يوماً وفي يده كتاب، أو يضبط نفسه ذات يوم وهو يفكّر!
ومثل هذا الشخص يذكّرني كثيراً عند حديثي معه بذلك الطالب الذي دخل الامتحان ولديه معلومات جيّدة عن الثعابين؛ لكنه يفتقر إلى أية معلومة عن أي شيء آخر في المنهج!
وفي الامتحان جاءه السؤال عن الفيل، وطُلِب منه أن يعرّفه تعريفاً مفصلاً.
ففكَّرَ حتى أتعبه التفكير، ثم قال محاولاً المراوغة: الفيل حيوان كبير لديه خرطوم طويل يُشبه -إلى حد كبير- الثعبان، والثعبان هو... ثم أخذ في كتابة كل ما يعرفه عن الثعابين.. وبالتفصيل!!
هذا الطالب المسكين، يطبّق نفس نظرية الفقراء الذين أقصدهم، يمتلك أحدهم فكرة أو معلومة واحدة حول أمر ما؛ فيكتفي بها، ولا يحاول زيادة رصيده من المعلومات أو الأفكار؛ فيتشكّل وعيه وأُفقه في مساحة ضيقة بسيطة.
للأسف يُتعبني كثيراً وأنا أتناقش مع شخص ما، أن أجده محصوراً في بقعة واحدة لا يبرحها، أُفُقه ضيّق جداً لا يستطيع استيعاب أية مساحة جديدة، لا يقبل النقد أبداً، ولا يرى فيه سوى أنه تَعَدٍّ على ذاته، واتهام موجّه له بالجهل وعدم المعرفة، يتعصب لرأيه ويعلو صوته في توتّر، وهو يؤكّد أنه على حق، يدفعك إلى الحديث معه فقط في المساحة التي يُتقن الجدال والحوار فيها.
أما أنت يا صديقي؛ فلا يجب أن تقع في هذا الفخ، ونجاتك منه إنما تكون بالمعرفة والثقافة والتأمّل.
عندما تقرأ؛ فأنت تمضي بدأب فوق صفحة عقلك، لتحفر فيها تجارب وأفكاراً وأطروحات ترفعك فوق مستوى البشر العاديين.
عندما تجلس بين يدي العظماء والعلماء؛ فأنت تُضيف لأيام عمرك أياماً أخرى، وترفع من مستوى استيعابك وقدراتك.
عندما تتأمل في حال البشر، وتدقق في فلسفة القضاء والقدر، وتفكّر في حكمة الله بخصوص الرزق والحرمان والرفع والخفض؛ فإنك تلمس بأناملك أجزاء رائعة من الحقيقة، وترتقي إلى مستوى رفيع من الفهم والاستيعاب للحياة.
يُقال إن الشخص المثقّف هو الذي يعرف شيئاً عن كل شيء، وكل شيء عن شيء؛ هذه إحدى تعريفات الشخص المثقف الواعي المنفتح.
وهذا ما يجب أن تفعله يا صاحبي، وأنصحك به بشدة، أن تقرأ في كل شيء.. كل شيء.
أعطِ 50% من بحثك الثقافي وقراءتك ومعرفتك للشيء الذي تريد التخصّص فيه، و50% للأشياء الأخرى، عندما تفتح الجريدة مرّر عينيك على الصفحة الثقافية، والرياضية، والعلمية، والفنية، والسياسية.
بشكل أو بآخر، كل معلومة -مهما كانت تافهة أو غير مهمة- ستُفيدك وتنفعك، وسيأتي أوان الاستفادة منها في وقت ما.
وفي النهاية لك مني إشارة تنبيه:
لا تكن كمن يقرأ أي شيء دون خطة.. وإياك في المقابل أن تكون كمن يقرأ في شيء واحد دون رؤية شاملة وعمل على بناء ثقافة بشكل متسع!
فكلاهما -صاحب الثقافة الضيقة وصاحب الثقافة المشتتة- لا يصنع لنفسه ولا لأمته مجداً أو تاريخاً.
والخلاصة: اقرأ شئ عن كل شئ .. واقرأ في كل شئ عن شئ ..!
0 التعليقات:
إرسال تعليق