دويلات الطوائف وملوك المغرب
مأساة مدينة بربشتر
* مأساة مدينة بربشتر
- وقع حادث خطير، وحدث أمر مذهل جرّ الأندلس إلى أمور جسام هو سقط مدينة "بربشتر "، وهو أمر من أبشع ما مرّ للأندلس في تلك الفترة.
* دويلة بني هود تتقسم:
- كانت
"سرقسطة "من أكبر دول الطوائف، وهي مدينة قريبة من دول النصارى في الشمال،
وكانت بيد التجيبيين ثم سيطر عليها بنو هود، ولما مات "سليمان بن هود"
الملقب بالمستعين بالله، توزعت مملكته إلى دويلات بين أبنائه الخمسة، وبقيت
المدينة بيد "أحمد بن سليمان" الملقب بالمقتدر بالله، ومدينة "بربشتر "
تتبع "سرقسطة " وقد حكمها أخوه يوسف الملقب بالمظفر بالله.
* النورمان يهجمون:
- تجمعت
قبائل النورمان كرة أخرى عام 456 هـ مع قوات الفرنسيين واتجهوا من جنوب
فرنسا وعددهم يربو على أربعين ألفاً فعبروا "البيرينية" وتقدموا نحو
"سرقسطة " وكان على الطريق "بربشتر " حيث تقع شمال العاصمة حوالي ستين
كيلومتراً، فحاصروها.
هجوم من الفايكنج يأخذون فيه الرقيق والأموال
* الحصار والمأساة:
- أرسل
المظفر بالله إلى أخيه المقتدر بالله يستعين به ويطلب المدد، فرفض المقتدر
ذلك، وترك المسلمين محاصرك في هذه المدينة، فأرسل المظفر إلى كل الدويلات
يستغيث بها، فما أجابه أحد، فتحرك العلماء في كل منطقة فما وجدوا آذاناً
صاغية، فأصبح الناس في تلك الفترة أشواكاً لا ورق فيها، وكانوا أوراقاً لا
شوك فيها، واشتد الحصار أربعين يوماً وجرت معارك عديدة وشديدة خارج
المدينة، فلما قلت الأقوات واشتد الضيق بالمدينة، وتحصنّ المسلمون بالمدينة
الداخلية، مصممين على القتال و الثبات، لكن أحد الخائنين دل الفرنسيين على
مجرى الماء الأرضي الذي يأتي إلى المدينة ويرويها، فقطع الفرنسيون الماء،
واشتد بالمدافعين العطش، وتقاتلوا من أجل الماء، فعرض أهل "بربشتر "
التسليم على النورمانديين، فرفضوا ثم اقتحموا المدينة بالقوة، واستباحوا ما
فيها ومن فيها، فقتل من المسلمين على أقل تقدير أربعون ألف رجل، وعلى
التقديرات العالمية مائة ألف رجل، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهتكوا
الأعراض أمام المحارم، وقسمت المدينة إلى مناطق يديرها جندي من النورمان،
إذ أصبح جميع من في تلك المنطقة عبيداً له، وكان الخطب أعظم من أن يوصف أو
يذكر، واختاروا خمسة آلاف من أجمل فتيات تلك المدينة البائسة وقدموها هدية
لملك القسطنطينية، وتركوا حامية من ثلاثة آلاف وخمسمائة رجل فيها ثم رجعوا
إلى فرنسا مثقلين بالغنائم والأسلاب.
- أما
يعيد التاريخ نفسه؟ أما تتذكرون صرخات بنات البوسنة، كم انتهك من الأغراض
فعلى أقل تقدير خمسون ألفاً، وكم قتل من الرجال فعلى أقل تقدير مائتا ألف.
أيا أخت سراييفو سلاماً وإن تبكي فما يجدي البكاء
يعزُّ عليَّ أختاه أنا كثير كالحصى لكنْ غُثاءُ
مخطوطة كتاب "طوق الحمامة عن الحب والمحبين " لأبن حزم الأندلسي تاريخ هذه النسخة 738هـ تم اكتشافها في مكتبة جامعة ليدي
* عام 456 هـ - 1064م العلماء يتحركون:
- هذا
الحادث الأليم حرّك الباجي، فلم ينتظر أمراً من أحد أو توجيهاً من حاكم بل
قام يحرض المسلمين وعامتهم، ويحث الناس للقيام بالجهاد في سبيل الله
والمستضعفين إن لم يتحرك الحكام، وتحرك معه العلماء، من بينهم ابن حزم
الفقيه المشهور، الحافظ، ولد عام 384 هـ، ونشأ في تنعم ورفاهية، ورزق ذكاء
مفرطاً وذهناً سيالاً، وكان أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام، وقد
امتحن لتطويل لسانه في العلماء، وكان رأس أهل الظاهر في الأندلس، قيل عنه:
لسان ابن حزم وسيف الحجاج قرينان وتحرك معهم جماعة من العلماء من أبرزهم:
"ابن
عبد البر" الذي ولد عام 368هـ في قرطبة، الملقب حافظ المغرب، شيخ
الإسلام، صاحب التصانيف الفائقة، وله بسطة كبيرة في علم النسب والأخبار،
جلا عن وطنه فكان في الغرب مدة، ثم تحول إلى شرق الأندلس فسكن "دانية"،
و"بلنسية"، و"شاطبة"، وبها توفي، قال عنه "ابن بشكوال": ابن عبد البر إمام
عصره، وواحد دهره، وقال أبو الوليد الباجي: لم يكن بالأندلس مثل أبي عمر بن
عبد البر في الحديث، وهو أحفظ أهل المغرب.
- و"ابن
رشد الجد" (جد الفيلسوف ابن رشد): الإمام العلامة أبو الوليد، قال عنه
"ابن بشكوال ": كان فقيهاً عالماً، عارفاً بالفتوى، بصيراً بأقوال أئمة
المالكية، سار في القضاء بأحسن سيرة، فقد كان قاضي الجماعة، ثم استعفى منه
فاُغفي، وكان حسن الخلق، سهل اللقاء، كثر النفع لخاصته، جميل العشرة لهم،
عاش سبعين سنة، ومات في ذي القعدة سنة 520هـ.
مخطوطة أندلسية قديمة للقرآن الكريم
* عام 457 هـ - 1065م العلماء المجاهدون:
- وتحركت
النفوس، وتحرك المقتدر – الذي قُتل أخوه المظفر مع المقتولين من سكان
بربشتر-، وأعان تجمع الباجي البالغ عددهم ستة آلاف بالسلاح والمدد، وارتفعت
صيحات التكبير والتهليل متوجهة نحو بربشتر، وسار المتطوعين من الجهات إلى
الثغر "بربشتر "،وحدثت معركة بعد تسعة أشهر عند أسوارها، معركة شديدة مزق
فيها المعتدون، إذ لم يستشهد من المسلمين سوى خمسين شهيداً، بينما قتل من
النورمان ألف وخمسمائة، وأسر الباقون، وعادت بربشتر إلى حكم المسلمين.
- أربعون ألفاً يُقتلون حين تركوا التوحد وضعفت النفوس! فانظر إلى خيانات الحكام.
- ستة آلاف يعيدون المدينة وينتصرون ولم يقتل سوى خمسين منهم. فانظر إلى دور العلماء.
- حينما
قامت إذاً دعوة الجهاد ورفعت راية الإسلام بندائه الخالد الله أكبر، وتردد
صدى لا إله إلا الله محمد رسول الله في حنايا الصدور، لاقى الناس المسلمون
النصر، ولما خفتَ هذا الحسّ في ثنايا النفوس واستكانت إلى الدعة لقيت ما
لقيت من الأهوال والفظائع في الأبدان والأموال والأعراض.
- لكن القائمين على أمور الدويلات لم يتعظوا، لقد أعمت الأحقاد أبصارهم وبصائرهم، وأماتت الشهوات الدنيئة عزائمهم.
المقتدر والباجي يتوجهان نحو " بربشتر "
0 التعليقات:
إرسال تعليق