دعم الديمقراطية

نشرت في :
  • السبت، 11 يونيو 2011
  • | من قبل
  • Unknown
  • |






  • في العلوم السياسية، هناك معضلة فلسفية بشأن مبدأ دعم الديمقراطية. وقد نتج عنها مناقشات لا تعد و لا تحصى. المعضلة تكمن في السؤال التالي: هل دعم الديمقراطية يعني تبني أي قرارات تصدر عن الأغلبية حتى لو كانت تلك القرارات تعني تدمير الديمقراطية المشار إليها؟ أم أنه يعني التأكد من إستمرار العملية الديمقراطية حتى لو كان ذلك على عكس رغبة الأغلبية؟ إذا ضللت الفرق هنا، دعني أسوق لك مثالا من المنطقة، من الشرق الأوسط. الجزائر 1991
    في عام 1991, كانت المحاولة الأولى الحقيقية للقيام بانتخابات ديمقراطية في الجزائر. وقتها ترشح حزب الجبهة الاسلامية للانقاذ على أرضية مفادها أنه لا ديمقراطية في الإسلام، وأنهم بمجرد وصولهم إلى سدة الحكم سيلغون الانتخابات الديمقراطية المستقبلية. وقد كان، صوتت الأغلبية بالفعل لحزب سيوقف العمل بكل أشكال التصويت!، مما أدي بالجيش أن يلغي الانتخابات على الفور، ما بدوره بدأ حربا أهلية عصفت بالبلد في أتون الفوضى لسنوات عدة. الآن إذا اعدنا طرح السؤال، من كان على حق؟ هل كنت تدعم فوز حزب الجبهة حتى لو كان ذلك يعني أنه لن تكن هناك إنتخابات ديمقراطية أخرى للأبد، وبالتالي لا ضوابط ولا موازين على حكمهم؟ أم أنك تعتقد أن إستمرارية الديمقراطية أهم للحياة السياسية والأجيال القادمة لهذا البلد، حتى لو كان ذلك يفسد على الأغلبية الحالية رغبتها؟ معضلة لطيفة أليس كذلك؟ لا يكف الناس عن النقاش حولها.
    الأن دعني أخبرك لماذا إشتركت في الثورة بالأساس : بجانب التخلص من نظامنا القمعي الحبيب، كل ما أردت من الثورة هو وثيقة الحقوق المصرية، نافذة نهائية ولا يجوز صرفها أو إيقاف العمل بها أيا كان من بيده السلطة. أردت حق حرية الرأي والتعبير بكل اشكاله (الفني وغيره)، الحق في التجمع السلمي،حق الحرية الدينية، حق المساواة بين جميع المواطنين في الحق والحريات (بغض النظر عن الجنس، الدين، العرق، النسب، اللغة، الأصل الاجتماعي أو الرأي السياسي), الحق في المعلومات والشفافية لتبقى حكومتنا دائما تحت الرقابة وقابلة للمحاسبة، الحق في عدم الخضوع للتعذيب أو القسوة أو أي معاملة غير إنسانية، الحق في حماية متساوية من القانون والأمن، الحق في عدم التعرض للاعتقال أو الإحتجاز أو النفي العشوائي،أو إسقاط الجنسية بغير حق، الحق في إن يعتبر المرء بريئا حتى تثبت ادانته، الحق في محاكمة عادلة أمام هيئة قضائية مدنية نزيهة، يتمتع الجميع أمامها بالتمثيل القانوني، وأخيرا الحق في التعليم. من أجل هذه الحقوق خاطرت بحياتي وبدني، وهي ليست بحقوق جديدة أو أفكار مستحدثة، كلها وأكثر منها يمكن الرجوع إليها في الاعلان العالم لحقوق الانسان
    عندما تبدأ ثورة، فإنك لا تقوم بها لتستجدي هذه الحقوق، وانما عليك انتزعها عنوة ممن حرموك اياها. تلك الحقوق هي الركيزة لأي مجتمع أو دولة ديمقراطية متقدمة، وهي لا تقبل الجدال أو النقاش، وملعون أنا إن وصل البرلمان احد يمنعني تلك الحقوق أو يفاوضني أو يساومني عليها. معذرة. أنا أريد هذه الحقوق أن تكن جزء من الدستور، بغض النظر عمن ينتخب للحكم. ولا يسمح بأي حال لمن وصل إلى السلطة أن يعبث بتلك الحقوق أو يغيرها، وله كامل الحرية في أن يفعل ما يريد بباقي مواد الدستور. لكن هذا منطقي أنا، ولك أن تتفق معي أو تختلف بقدر ما تشاء. ما أريد مناقشته الآن، هو لماذا يجب أن يخرج الناس إلي مظاهرات 27 مايو. لن اطلب من أن تذهب من أجل مطالبي، مع أن ذلك سيكون بادرة لطيفة، ولا لأجل مطالب المتظاهرين (يعلم الله أن هناك 7 قوائم مختلفة من المطالب يتم تداولها حاليا، والبعض سيذهب بدون قائمة واضحة من المطالب الخاصة بهم)، لأن المتظاهرين غير منظمين ومنقسمين ويئسوا من الحديث مع أي حد إلا مع أنفسهم في الوقت الراهن، ولا أطالبك بالذهاب للدفاع عن الثورة. لا، أنا اليوم أريد التحدث إلى الأغلبية الصامتة عما يهمهم: الإقتصاد، الأمن والاستقرار، ولماذا يجب عليهم، أكثر ممن سواهم، أن يذهبوا إلى مظاهرات 27 مايو، لأنه حقا وصدقا إن كانت تلك النقاط الثلاثة أكثر ما يهمك فاسمح لي إن أخبرك أنك في مأزق شديد، وكما كان الحال أيام مبارك، ليس بسببنا. عفوا
    أعلم أنك ستختلف بشدة، فدعني اطرح عليك حجتي ثم قرر بنفسك، اتفقنا؟
    عن الاقتصاد :
    الآن السرد المتداول حول الإقتصاد يجري كالتالي: البلد تجاوزت حافة الهاوية، والآن في سقوط حر سريع، كل الاحصائيات تشير إلى كارثة محققة، إحتياطي الغذاء سينفذ بنهاية الشهر، ومتظاهري التحرير مازالوا مختطفين عجلة الانتاج ومحتفظين بها في التحرير مغطاه بأعداد منهم! ا ليس هذا مايقولون؟ حسنا، دعنا نسرد الحقيقة: الحكومة الانتقالية والمجلس العسكري فشلوا خلال 4 أشهر حتى الآن في أن يقدموا لك ما يمكن أن يشبه خطة إقتصادية عاجلة فيما عدا ، الجملة الشهيرة، “المظاهرات لا بد أن تتوقف”. وقد دأبوا، بإحصاءات مذهلة، أن يخبروك بمدى المصيبة التي تواجهنا، من دون أن يعطوك مرة خطة عمل واضحة كيف ينوون انقاذنا! (بالمناسبة، أنا لا أري فارقا بين تأكيد طنطاوي لنا أن أمة فقيرة، يعيش فيها 70% تحت خط الفقر وما بين تصريح مبارك الشهير : “احنا بلد موارده محدوده، أأكلكم منين كلكم؟”). تغاضى الآن عن قصة “سينفذ مخزوننا الإستراتيجي من القمح بنهاية الشهر” وهي القصة التي ظل المجلس العسكري يرددها الآن لأربعة أشهر، ودعنا نركز على المشكلة الحقيقية: أين معونة الطواريء – المكونة من مال وكوبونات غذاء – المخصصة لأقل الطبقات في مصر، والتي من المفترض أن تساعدهم خلال الأشهر القادمة حتى الانتخابات؟ أين صناديق التحفيز المخصصة لمساعدة الأعمال المتوسطة والصغيرة لعبور الفترة الانتقالية؟ ماذا؟ نحن لا نملك أي أموال؟ هل رأيت ميزانيتنا؟ لا أحد منكم فعل. أنت لا تدري ما هي مصروفاتنا ومدفوعاتنا، لأننا ممنوعون حتى اليوم من مراجعة حسابات بلادنا. أين المبادرات الجديدة التي حفزها التحرير نحو تكوين العديد من الشركات الناشئة والمبدعة؟ ماذا عن السياحة؟ كيف لا توجد مبادرة حكومية يتيمة لتشجيع السياحة تستفيد من الروح الجميلة التي نشأت في التحرير؟ لماذا لا توجد حفلات تحتفي بالحرية المكتسبة، معارض أو أحداث سياحية؟ لماذا على سبيل المثال، لا يوجد متحف ل 25 يناير، للناس لتحتفل بمصر الجديدة الحرة؟ هل قام سعادة وزير السياحة المحترم – صاحب مصنع مربى الفراولة سابقا – بتقديم أي مبادرة مثيلة؟
    وماذا عن العقبة الحقيقية في طريق كل الاستثمارات ومشاريع النمو الاقتصادي التي نتمناها أن تبدأ في مصر : الفساد المؤسسي؟ لماذا لم يعالج أو حتى يشار إليه حتى الآن؟ ولماذا تروج لخرافة أن رجال الأعمال مستهدفين؟ إن وجود 7 أو 8 فاسدين منتفعين مقربين للنظام السابق في السجن ليس أبدا بالأمر الذي يحول الدولة إلى كيان ضد الاستثمار ورجال الأعمال، بل ضد الفساد العلني الرهيب. أنت يا راجل الأعمال الشريف، تريد أن تبرئ ساحتك وألا تنضم إلى من نفوا أنفسهم إختيار يا من ال منصور أو المغربي أو الحمقى الأخرين الذين حولوا مليارات إلى دبي؟ هاكم فكرة : تجمعوا وإبدأوا مبادرة للحقيقة والمصالحة. نحن ندرك أن الأغلبية العظمى منكم ليسوا فاسدين، لكنكم كنتم محاطين بثقافة فاسدة لم تكن لتسمح لكم بعمل أي شيء من دون دفع 18 رشوة مختلفة. نحن نفهم ذلك، لأننا جميعا دفعنا مثلكم رشاوي للحصول على أي خدمة عامة بشكل لائق. حسنا، لقد دفعتم رشوي فيما مضى، لكن الآن لحسن الحظ القانون المصري واضح: لو كنت قد دفعت رشوة وقمت بالابلاغ عن الواقعة، سيذهب هو إلى السجن وليس أنت. فلماذا لا توحدون أنفسكم الآن وتقدمن بلاغات رسمية ضد كل من إضطررتم إلى دفع رشوة له من قبل لتخليص أعمالكم، وننظف البلد مرة واحدة وأخيرة؟ أنتم لن تتحملوا أي مسؤلية قانونية، وفي الوقت ذاته ستقدمون خدمة جليلة للبلد بفضح الفاسدين في كل الوزارات و المحليات و المصالح الحكومية وتطهيرها كلها دفعة وحدة. تخيل ذلك. تطهير كامل من كل المرتشين في كل المصالح الحكومية، وبأيديكم. ستصبحون أبطالا على الفور، ولن تضطرون مرة أخرى، أبدا، إلى دفع رشوة لضمان سير أعمالكم! إنه ربح مضاعف! و إن كنتم لازلتم في خوف من المسؤلية القضائية إطلبوا العفو والحماية، وهذا جزء المصالحة! أما عن الحكومة، فإن كانت جادة حقا في تطهير البلد من الفساد وتهدئة مجتمع المستثمرين، كان عليها إقتراح ذلك، لكنهم لم يفعلوا، يجب عليك أنت إذن أن تطالب بذلك.
    عن الامن :
    فلنبدأ بأبسط الأسئلة: أين الشرطة بالضبط؟ هل تعلم أنه غير بعض الوجوه الذي ظهرت في الشوارع لتنظيم المرور، لم تظهر الشرطة لتؤدي واجبها؟ هل تعلم إنه ماعدا في الضواحي الأنيقة لوسط القاهرة (حيث يتجمع ويتحرك معظم الصحفيين الأجانب والإعلام المحلي) لم تظهر الشرطة بعد؟ وحينما تظهر ترفض التصرف؟ هل تدري أن هناك محافظات بأكملها لا أثر للشرطة فيها على الإطلاق بعد الثورة؟ وأن الناس هناك لا زالوا يحمون أنفسهم بأنفسهم؟ ولن اتحدث عن حقيقة أنه في حين قتل ما يزيد عن 800 مصري في الثورة، لم يداً حتى الآن إلا فرد واحد من الشرطة !، وقد حوكم غيابيا لأنه لا يستطيعون العثور عليه، لأن التعسف وجرائم القتل التي ترتكبها الشرطة لا يبدو أنها تضايقك، مع أنهم لا يهتمون ولا يفرقون بين من يقتلون.
    لا، لن اتحدث عن ذلك كله، فلنتحدث بالأرقام: الشرطة هي الجهاز الوحيد في الحكم الذي تلقى زيادة في المرتبات، مرتين ومع ذلك لا يذهبون للعمل !. إذا افترضنا مرتباً مبالغ في تحقيره، قل 1000 جنيه لفرد الشرطة (اخذا في الإعتبار تدني مرتب أمناء الشرطة وتضخم مرتبات اللواءات)، إضرب ذلك في 1.5 مليون فرد شرطة، يكون الناتج 1.5 مليار جنيه مصري، في الشهر، أي حوالي 6 مليارات جنيه مصري في الأربعة أشهر السابقة فقط، نظير عدم قيامهم بعملهم! إذا أخذنا ذلك في الإعتبار جنبا إلى كوننا مفلسين وميزانيتنا تنزف كمان يقولون، فإن صرف هذه الكمية من الأموال على أفراد لم يكونوا يقوموا بعملهم قبل الثورة، وبعدها يرفضون القيام به، بالتأكيد سيبدو لك غير مقبول. أفراد الشرطة يقبضون مرتباتهم ليقوم بعملهم، فإذا كانوا يرفضون القيام به فلا يجب دفع مرتباتهم حتى يقوموا به، بالإضافة إلى إنه يجب مجازاتهم على ذلك. من ناحية المبدأ، لقد أقسمو قسما على الموت في سبيل تطبيق القانون و الدفاع عنك، وهاهم يحنثون بذاك القسم، وهو ما يقع تحت بند الخيانة. إلى متى تنوي أن تقبل ذلك وأن تتوسل اليهم ليقوموا فقط بعملهم؟ الى متى ستحتمل ذلك؟
    عن الاستقرار :
    الاستقرار يأتي من الشفافية، من فهم ما يجري حولك، وإلى أين تتجه البلاد، وهو ما لا نفهمه. نحن لا نعرف تاريخا لإقامة الانتخابات، عمليا قد يكون أقل من 100 يوم، حتى الآن. نحن لا نعرف شيئا عن سياسات الحكومة ولا عما كانت تفعل مختلف الوزارات في الأشهر الأربعة الماضية. لماذا لا يتضح لنا حتى الآن إن كانت حكومتنا تاخذ اجراءات في مواجهة المشاكل التي توجهنا؟ لماذا ليس هناك تقرير أسبوعي في كل الجرائد عن المواضيع التي تعامل معها المجلس العسكري والحكومة الانتقالية هذا الأسبوع وماذا على أجندتهم للأسبوع المقبل؟ لماذا يجب علينا أن ننتظر أمام الفيسبوك حتى يصدروا لنا بيانا غامضا وفي بعض الأحيان مناقض تماما لبيان سابق؟ وبما أننا نتحدث عن ذلك، لماذا سمح لهذا وهذا أو هذا أن يحدث؟ كيف يكون هناك إستقرار في ضوء ما سابق كله؟

    وسؤالي الأخير، بعد مراجعة كل هذا، كيف يمكنك أن تظل ساكنا ولا تفعل شيئا؟ كيف لا تكون أنت بنفسك من ينظم مظاهرة الجمعة المقبلة في التحرير؟ لقد كنت مخلصا، لقد كنت إلى جانب المنطق. لقد أثمت مرات ومرات أنك سلبي للغاية، وأنك مبالغ في الرضا، وأنك مفرط في الرغبة في التنازل بلا سبب، وأنك رافض بشدة لترك الكنبة والوقوف من أجل أي شيء. وأنك لست براغب في القتال من أجل مستقبل بلدك التي تحبها، وقد تقبلت كل ذلك، واخترعت الحجة بعد الحجة، لشهور عديدة، ولا شيء بعد. كيف لا تكون غاضبا ؟؟؟
    هذه الجمعة، أنا ذاهب إلى التحرير، وللمرة الأخيرة. وأنا ذاهب لأني أؤمن أن مطالبي عادلة ومشروعة. مطالبك ليست أقل شرعية، وحق لك أن تراها نافذة. لذلك، اذا كنت قد ذهبت للتحرير خلال أيام الثورة الثمانية عشر، ثم توقفت بعد ذلك، فالوقت قد حان لتذهب مرة أخرى، و تعلن مطالبك. وإذا لم تكن قد ذهبت قط للتحرير، وكنت جزءا من الأغلبية الصامتة التي لا تبغي شيئا إلا الأمن والاستقرار و الإزدهار الاقتصادي، فإنك، وأكثر من أي أحد آخر، يجب أن تذهب للتحرير هذه الجمعة، ولمرة أسمعهم صوتك ولا تبق صامتا بعد كل شيء. إذهب مرة واحدة، وخذ معك كل أصدقائك ممن يفكرون مثلك، ولتر إن كان ذلك لن يحقق مطالبك في أقرب وقت ممكن. إن صبرك قد اتخذ من المسلمات، وكل التماساتك وقعت على آذانا صماء على الجانبين. لقد حان الوقت لك أنت أيضا أن تتخذ موقفا

    0 التعليقات:

    إرسال تعليق

     
    تصميم : Bloggermint | تعريب : قوالبنا للبلوجر
    المصري المثقف -2012