معركة نيكوبولس .. و .. صاعقة الإسلام‏

نشرت في :
  • الثلاثاء، 5 يونيو 2012
  • | من قبل
  • Unknown
  • |
  • معركة نيكوبولس.. و .. صاعقة الإسلام

    كان من سلاطين الدولة العثمانية العظام : السلطان "بايزيد الأول" ، سلطان الروم ، وصاعقة الإسلام ، والفاتح الكبير ، والمجاهد العظيم
    كان رحمه الله عَلَمَاً من أعلام الجهاد ، وهو الذي بلغت الدولة في عهده من العزة والمجد ما ذَكَّرَ المسلمين بأيام الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ؛ فهو صاحب النصر في معركة "نيكوبولس" التي كانت من أيام المسلمين الخالدة
     فمن هو السلطان "بايزيد الأول" ؟!!!
    دعونا نقف وقفات سريعة مع سيرة هذا البطل 

     
    السلطان "بايزيد الأول" هو رابع سلاطين الدولة العثمانية ، وُلد سنة 761هـ ، وبُويع له في ميدان الحرب بعد استشهاد أبيه السلطان "مراد الأول" في معركة "قوصوة" (كوسوفو) ، وأصبح سلطاناً على ما تحته من البلاد سنة 791هـ وهو ابن ثلاثين سنة .. هكذا كانت البداية : في ميدان الحرب
    كان السلطان "بايزيد الأول" مُحباً للجهاد ، مُعِزَّاً لدين الله ، مُذِلاً للكفار وأعوانهم ، مُحَطِمَّاً هَامَات المتكبرين ، مُدَمِّراً لأعداءِ الله ... وكان على قدرٍ كبير من الشجاعة ، ومن أقوى السلاطين بأساً .. جَرَّدَ الدولة البيزنطية من جميع ممتلكاتها إلا العاصمة "القسطنطينية" ، وضَرَبَ حولها حصاراً شديداً حتى كادت أن تُفتح على يديه ، وانتظر العالم الإسلامي والنصراني سقوط "القسطنطينية" بين ساعةٍ وأخرى ، حتى حدث ما لم يكن في الحسبان كما سيأتي إن شاء الله تعالى 

     
      كان مجرد ذكر اسم "بايزيد" كافياً أن يوقع الرعب في نفوس النصارى في "أوروبا" عموماً وأهل "القسطنطينية" خاصة ، كانت ترتجف منه ملوك "أوروبا" رعباً ، وكان رحمه الله سريعاً في انقضاضه على أعدائه ، حتى لقبوه "يلديرم" أي "الصاعقة" ، وظل هذا الاسم يرعب "أوروبا" بأسرها
    كان رحمه الله عادلاً حازماً ، يُحِب العلماء ويُقَّربهم ويُعَظِّم شأنهم ، وكان شديد التواضع مع ما جَمَعَ الله له من الهيبة والملك والقوة ، وله في ذلك قصة شهيرة لها دلالتها ، فقد تم استدعاء السلطان "بايزيد الأول" إلى المحكمة للإدلاء بشهادته في أمرٍ ما !! فهل جاء السلطان أم اعتذر ؟! بل جاء السلطان ، ووقف أمام القاضي الإمام "شمس الدين فناري" في تواضع شديد ، فإذا بالقاضي ينظر إلى السلطان ثم يفاجئ الجميع بقوله : ((هذا الرجل لا تُقبل شهادته ؛ لأنه لا يحضر صلاة الجماعة مع المسلمين في المسجد ، ومن لا يصلي في المسجد جماعة دون عذرٍ شرعي لا تُقبل شهادته))
    يا إلهي !!
    نزلت كلمات القاضي على الحاضرين كالصاعقة ، وأمسك الجنود قبضات السيوف وانتظروا إشارة واحدة من السلطان لتطير عنق القاضي في لحظة ، لكن كانت المفاجأة الثانية : أومأ السلطان "بايزيد" برأسه في تواضع شديد ثم خرج ، وأمر ببناء مسجد ملاصق لقصره كي يحضر مع المسلمين صلاة الجماعة
    هذا ما سجله المؤرخ "عثمان نزار" في كتابه "حديقة السلاطين" المؤلف قبل مئات السنين
    بالله عليكم : هل سمعتم بسلطانٍ رُفضت شهادته ؟!! ألا يذكركم هذا السلطان بالفاروق "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه ؟!!
    عندما جلس السلطان "بايزيد الأول" على كرسي السلطنة كانت "الأناضول" يحكمها مثل ملوك الطوائف ، واستطاع "بايزيد الأول" أن يوحد "الأناضول" كلها تحت إمرته بسرعة ومهارة حربية عجيبة أذهلت النصارى في "أوروبا" .. وبعدما توحدت "الأناضول" ابتدأ جهاده ضد الإمبراطورية البيزنطية ، وبالفعل قضى على شوكتهم ، ووَهَّن كيدهم ، وسلب بلادهم وضمها للدولة العثمانية ، فأصبحت "القسطنطينية" محاطة من كل جانب بالدولة العثمانية

     
    ولم يكتفِ السلطان "بايزيد الأول" بذلك ، بل واصل جهاده حتى فتح "بلغاريا" و"البوسنة" و"الأفلاق" (جنوب رومانيا) ومعظم بلاد أوروبا الشرقية !! وقاتل "الصرب" وانتصر عليهم ، وأرغم ملك "الصرب" أن يدفع له جزية سنوية وبناء مساجد ومحاكم إسلامية !!!
     

     
    الأمر الذى أرعب المماك المسيحية فى أوربا والذى أدى الى إعلان البابا "بونيفاس التاسع" الحرب الصليبية على الدولة العثمانية السلطان "بايزيد الأول" تحديداً ، ومنح غفرانه لجميع النصارى الذين سيقاتلون في تلك الحملة لإنقاذ "المجر" والممالك النصرانية في "أوروبا"
    معركة نيكوبولس – 800هـ
    اجتمعت لدعوة البابا 15 دولة أوروبية ومعظم أمراء وملوك أوروبا "المجر - النمسا - إنجلترا – فرنسا – البندقية - أسبانيا – إيطاليا – ألمانيا – رومانيا - سويسرا – بولندا" ، ومنذ قيام الحملة الصليبية الأولى في بداية القرن الحادي عشر الميلادي لم تجتمع هذه الأعداد الضخمة ، فكانت من أخطر الحملات الصليبية على الإسلام على الإطلاق
    وكانت قيادة تلك الجيوش لملك المجر "سيجسومند" ، وافتخر النصارى بالقوات الكثيفة التي تم حشدها حتى تملكهم الغرور ، حتى أن الملك "سيجسموند" قال في كبر : ((لو سقطت علينا السماء لأمسكناها بحرابنا))
    واجتمعت الجيوش في "بودا" عاصمة "المجر" ، وانعقد مجلس الحرب في صيف عام 1396م لرسم الخطط ووضع التكتيكات الحربية


     
     وبدأ هجوم الجيوش الصليبية نحو "بلغاريا" ، واستعادوا بعض المدن ، وأبادوا الحامية الإسلامية فيها ، الأمر الذي أدى إلى ترك السلطان "بايزيد الأول" محاصرة "القسطنطينية" وتوجه نحو "أوروبا" في سرعته المعهودة ، وجمع مائة ألف مقاتل بالإضافة إلى قوات ضخمة أمده بها ملك "الصرب" رغماً عنه حسب الإتفاقية التي بينهما ، وتقابل الفريقين في منطقة "نيكوبولس"
    قبل بداية المعركة اقترح الملك "سجسموند" أن يتخذ وضعية الدفاع ، لكن خالفه باقي الأمراء في الجيش ، واقترحوا مهاجمة العثمانيين والتوغل في "الأناضول" والتوجه بعدها إلى بلاد الشام وبيت المقدس
    وأثناء مسير القوات الصليبية الضخمة وتقدمهم ظهرت فجأة الجيوش الإسلامية بقيادة "الصاعقة" كأنها خرجت من باطن الأرض ، وكان ظهوره كفيلاً بإدخال الرعب والهول في قلوب الصليبيين ، وبدأت المعركة التي تُعد من أشرس معارك التاريخ ، وقاتل المسلمون يومها قتال من لا يخشى الموت ، وأنزل الله على المسلمين الرحمة والسكينة وأيدهم بجندٍ من عنده وقذف في قلوب الذين كفروا الرعب ، وانتهت المعركة بنصرٍ مبين للمسلمين ذكرهم بأيام المسلمين الأولى في بدر واليرموك .. أما الملك "سجسموند" فقد وَلَّى هارباً ومعه رئيس فرسان "رودس" ، ولما بلغا في فرارهما شاطئ البحر الأسود = وجدا هناك الأسطول النصراني ، فوثبا على إحدى السفن التي فرت بهما مسرعة لا تلوي على شيء .. وتضاءلت مكانة "المجر" في عيون المجتمع الأوروبي بعد معركة "نيكوبوليس" ، وتبخر ما كان يحيط بها من هيبة ورهبة


     
    وعلى الرغم من القضاء على القوات الصليبية ، إلا أن السلطان "بايزيد الأول" انزعج لكثرة قتلى المسلمين في المعركة التي قدرت بثلاثين ألف شهيد ، وتذكر السلطان "بايزيد" ما فعله الصليبيون بالحاميات الإسلامية في "بلغاريا" و"المجر" ، فأمر السلطان "بايزيد" بقتل الأسرى كلهم ، وكان عددهم ثلاثة آلاف أسير ، وفي رواية أخرى عشرة آلاف ، ولم يُبقِ إلا أكابر وعلية القوم ؛ للحصول على فدية ضخمة منهم


     
    موقف من مواقف العزة
    كان ممن وقع في الأسر الكونت "دي نيفر" بنفسه ، وقد كان أحد أكبر الأمراء في الجيش الصليبي ، فأقسم للسلطان بأغلظ الأيمان ألا يعود لمحاربة المسلمين ، وكاد أن يقبل قدم السلطان ، لكن كان رد السلطان "بايزيد الأول" المعتز بدينه أن قال له : ((إني أجيز لك ألا تحفظ هذا اليمين ، فأنت في حِلٍّ من الرجوع إلى محاربتي وقت ما شئت)) ، ثم استطرد قائلاً كلمته الشهيرة التي خلدها له التاريخ وكتبها بحروف من ذهب : ((إذ أنه ما من شيءٍ أحب إليَّ من محاربة جميع مسيحي أوروبا والانتصار عليهم))

     
    نزل الخبر على نصارى أوروبا مثل الصاعقة ، وانتظر النصارى سقوط الممالك النصرانية واحدة تلو الأخرى في قبضة السلطان "بايزيد" ، وعلى النقيض : أرسل السلطان "بايزيد" الرسائل إلى ملوك وسلاطين المسلمين في "القاهرة" و"بغداد" وبلاد ما وراء النهر ومعها بعض الأسرى كدليل مادي على النصر المبين ، وخلع عليه الخليفة "أبو عبد الله محمد بن المعتضد المتوكل على الله" لقب "سلطان الروم" ، وأهدى إليه أمير "بخارى" سيفاً على سبيل التكريم ، وعُلقت الزينة في البلاد الإسلامية فرحاً بذلك النصر المبين ، واتجهت أنظار المسلمين إلى تلك الدولة التي أيد الله جهادها بالنصر على أعدائها ، وارتحل كثير من شباب المسلمين إلى "الأناضول" ليكونوا تحت إمرة السلطان "بايزيد الأول" في جهاده ضد الروم نصارى أوروبا
    وتعتبر معركة "نيكوبولس" بالنسبة للنصارى أعظم كارثة على الإطلاق في العصور الوسطى ، وبلغ السلطان "بايزيد الأول" قمة مجده بعد تلك المعركة ، حتى أنه أعلن أنه سيفتح "إيطاليا" بإذن الله ، وسيطعم حصانه الشعير على مذبح كنيسة القديس بطرس في روما
    بعد الانتصار العظيم الذي حققه العثمانيون في هذه المعركة = ثَبَّتَ العثمانيون أقدامهم في البلقان ، حيث انتشر الخوف والرعب بين الشعوب البلقانية ، وخضعت "البوسنة" و"بلغاريا" للدولة العثمانية ، واستمر الجنود العثمانيون يتتبعون فلول النصارى في ارتدادهم ، وعاقب السلطان "بايزيد" حكام شبه جزيرة "المورة" الذين قدموا مساعدة عسكرية للحلف الصليبي
    وعقاباً للامبراطور البيزنطي على موقفه المعادي : طلب "بايزيد" منه أن يُسَلِّم "القسطنطينية" ، وإزاء ذلك استنجد الامبراطور "مانويل" بأوروبا دون جدوى ، والحق أن فتح "القسطنطينية" كان هدفاً رئيسياً في البرنامج الجهادي للسلطان "بايزيد الأول" ، ولذلك فقد تحرك على رأس جيوشه وضرب حصاراً محكماً حول العاصمة البيزنطية وضغط عليها ضغطاً لا هوادة فيه ، واستمر الحصار حتى أشرفت المدينة في نهايتها على السقوط ، وبينما كانت أوروبا تنظر سقوط العاصمة العتيدة بين يومٍ وآخر = إذا السلطان ينصرف عن فتح "القسطنطينية" ؛ لظهور خطر جديد على الدولة العثمانية

     

     
    كارثة تيمورلنك
    ظهرت أثناء تلك الفترة قوة بشرية ضخمة يقودها رجل من أقسى الناس قلباً وأخبثهم عملاً ، هو "تيمورلنك" الشيعي الرافضي الخبيث الذي كان يدعي الإسلام ويظهر حبه الشديد لآل بيت النبى صلى الله عليه وسلم .. استطاع هذا الرجل أن يؤسس إمبراطورية ضخمة مترامية الأطراف ، حيث جلس على عرش "خراسان" وقاعدته "سمرقند" عام 1369م ، ثم ضَمَّ بلاد ما وراء النهر والهند وموسكو وآسيا الصغرى وبلاد الشام ، واستطاع بجيوشه الرهيبة أن يهيمن على القسم الأكبر من العالم الاسلامي ؛ فقد انتشرت قواته الضخمة في آسيا من "دلهي" إلى "دمشق" ، ومن بحر "آرال" إلى الخليج العربي ، واحتل "فارس" و"أرمينيا" وأعالي "الفرات" و"دجلة" والمناطق الواقعة بين بحر "قزوين" إلى "البحر الأسود" ، وفي "روسيا" سيطر على المناطق الممتدة بين أنهار "الفولجا" و"الدون" و"الدنيبر" ، وأعلن بأنه سيسيطر على الأرض المسكونة ويجعلها ملكاً له ، وكان يردد : ((يجب ألا يوجد سوى سيد واحد على الأرض طالما أنه لا يوجد إلا إله واحد في السماء))
    واستباح "تيمورلنك" بعض البلاد مثل "بغداد" و"حلب" وغيرها ، فعمل فيها التخريب والقتل .. وكان يأخذ الصناع والحرفيين إلى عاصمته "سمرقند" .. ولم يستطع أحد أن يقوم في وجه هذا الطاغية ؛ لعظمة جيوشه وأعدادها الضخمة التي لا نبالغ إذا قلنا أنها تجاوزت المليون جندي !!
    وكان هذا الطاغية يصنع أهراماً من جماجم ضحاياه وعظامهم ، فكان من أشد الناس ظلماً وقهراً .. وكان قبحه الله يصبغ حملاته تلك بصبغة دينية لتسهيل احتلاله للبلاد
    ما فرح ملوك أوروبا بشىء مثل فرحهم بظهور "تيمورلنك" الذي وجدوا فيه خلاصهم الوحيد من السلطان "بايزيد الأول"
    كما ارتحل كثير من أمراء "الأناضول" الذين طردهم "بايزيد" إلى خدمة "تيمورلنك" ، واحتموا به .. وبلغ ذلك إمبراطور "بيزنطة" وأمراء أوروبا : فأرسلوا إلى "تيمورلنك" يستنجدون به من "بايزيد" ، ويوقدون العداوة بينهما ، ويمنونه بأملاك العثمانيين .. وبالفعل طمع "تيمورلنك" في أملاك الدولة العثمانية ، وبدأ بالهجوم على أطرافها في آسيا الصغرى ، وانضم إليه الأمراء الفارين من "بايزيد الأول" ، الأمر الذى أزعج السلطان "بايزيد" جداً ، فصمم على ملاقاة هذا الطاغية وقتله ، خصوصاً بعد رسالة "تيمورلنك" إليه ؛ حيث أهانه ضمنياً حين ذَكَّرَه بغموض أصل أسرته واستصغار شأنه ، ولكنه ختم الرسالة بأن عرض عليه العفو على اعتبار الخدمات الجليلة التى قام بها "آل عثمان" لخدمة الإسلام !!
    فصمم السلطان بايزيد على محاربة الطاغية "تيمورلنك" ، ثم بعد ذلك يتفرغ لفتح "القسطنطينية" الذي كان وشيكاً جداً
    معركة أنقرة 1402م
    في عام 1400م احتل "تيمورلنك" "سيواس" في "الأناضول" ، وأباد حاميتها هناك التي كان يقوها "أرطغرل" ابن السلطان "بايزيد" .. ولم يكتفي بذلك ، بل أخذ الفرسان وأحنى رؤسهم بين أرجلهم وألقاهم في خنادق واسعة وردمهم بالتراب !!
    انزعج السلطان "بايزيد" جداً ، واستصوب رفع الحصار عن "القسطنطينية" وملاقاة هذا الطاغية .. فاجتمع الجيشان فى سهل "أنقرة" في 19 ذي الحجة 804هـ / 1402م ، وكان جيش السلطان "بايزيد" حوالي 120000 مجاهد ، وكان من قواد الجيش 5 من أولاد السلطان "بايزيد" هم: "محمد" و"مصطفى" و"سليمان" و"عيسى" و"موسى" ، وكانت قوات "تيمورلنك" كثيرة جداً تجاوزت الـ 800000 مقاتل !! هذا بالإضافة إلى وجود آلاف من التتر فى جيش "بايزيد" والذين أرسل لهم "تيمورلنك" سراً كتاباً يطلب منهم فيه أن ينضموا إليه ويتركوا السلطان "بايزيد" قائلاً : ((نحن جنس واحد ، وهؤلاء تركمان ندفعهم من بيننا ، ويكون لكم الروم عوضهم)) ، فأجابوه وواعدوه أنهم عند اللقاء يكونون معه !! وبالفعل انضم جنود التتر إلى صفوف "تيمورلنك" عند بداية المعركة ، وكان عددهم خمسين ألفاً .. فكان مصير المعركة معروف مسبقاً
    وبدأت المعركة شرسة ضارية تشبه في شدتها وضراوتها حروب هذا العصر مع اختلاف نوع الأسلحة المستخدمة !! وانهزم جيش "بايزيد" ، وبدأ الجنود في الانسحاب ، أما "بايزيد الأول" فلم ييأس وهو الذي تعود على النصر وعُرف بالشجاعة والإقدام ، فأخذ مجموعة من الفرسان من خواص رجاله وصعدوا على ربوة عالية ليكونوا في موقع جيد للقتال ، ولكن قَدَّرَ الله أن يقع السلطان بايزيد في الأسر
    وكانت الهزيمة بسبب اندفاع وعجلة "بايزيد" ؛ فلم يُحسن اختيار المكان الذي نزل فيه بجيشه الذي لم يكن يزيد عن مئة وعشرين ألف مقاتل بينما كان جيش خصمه لا يقل عن ثمانمائة ألف ، ومات كثير من جنود "بايزيد" عطشاً لقلة الماء وكان الوقت صيفاً شديد القيظ ، ولم يكد يلتقي الجيشان حتى فر الجنود التتار الذين كانوا في جيش "بايزيد" وجنود الإمارات الآسيوية التي فتحها منذ عهد قريب وانضموا إلى جيش "تيمورلنك" ، فلم يجد السلطان بعد ذلك إلا ما أظهره هو وبقية جيشه من الشجاعة والاستماتة في القتال حتى أُسر
    نعم ، وقع السلطان "بايزيد الأول" في الأسر عند "تيمورلنك" .. واختلفت الروايات فى كيفية معاملة "تيمورلنك" للسلطان المجاهد العظيم "بايزيد الأول" ، فمنهم من قال أنه أهانه ووضعه في قفص وأخذ يطوف به البلاد ، ومنهم من قال أنه أكرمه وعظم شأنه ، ولا ندري حقيقةً كيف عُومل السلطان المجاهد الصاعقة "بايزيد الأول" في أسره ، إلا أن مرارة الأسر وحدها كافية ، لاسيما إذا كان الأسير مثل هذا الرجل العظيم

     
    بعد أسر السلطان "بايزيد" استباح "تيمورلنك" أملاك الدولة العثمانية لجنوده فخربوها وهدموا أكثر منشآتها
    وفاة الصاعقة – 15 شعبان 805هـ
    أتدرون كيف مات السلطان المجاهد العظيم الصاعقة "بايزيد الأول" ؟!!
    مات السلطان "بايزيد" بعد ثمانية شهور كمداً في أسره .. ظل يرسف في أغلاله حتى مات رحمه الله تعالى ... لم يتحمل (رحمه الله) الذل والهوان والأسر ، كيف لا وهو السلطان المجاهد العظيم الصاعقة الذي تعود على النصر والذي لم يركن إلى الراحة يوماً واحداً وظل في جهادٍ دامَ أكثر من أربعة عشر عاماً حتى وصلت جيوشه أماكن لم تُرفع فيها راية للمسلمين من قبل ، ورُفع الأذان في عهده في "القسطنطينية" التي كادت أن تُفتح على يديه ، وهو السلطان الذي كانت ترتعد فرائص ملوك الروم عند ذكر اسمه فقط
    وعندما مات السلطان "بايزيد الأول" سمح "تيمورلنك" لابنه الأمير "موسى" بأخذ جثمان أبيه ودفنه بجوار مسجده في مدينة "بروصة" في "الأناضول" ، وقبره بها مازال معلوماً إلى الآن
    لقد فرحت الدول النصرانية في الغرب بنصر "تيمورلنك" ، وهزها الطرب لمصرع "بايزيد" وما آلت إليه دولته من التفكك والانحلال ، وبَعَثَ ملوك "إنجلترا" و"فرنسا" و"قشتالة" وإمبراطور "القسطنطينية" إلى "تيمورلنك" يهنئونه على ما أحرز من النصر العظيم والظفر المجيد ، واعتقدت أوروبا أنها قد تخلصت إلى الأبد من الخطر العثماني الذي طالما روعها وهددها
    وكانت الصدمة شديدة جداً على المسلمين في أنحاء الأرض ، حتى أن "تيمورلنك" قام بفتح بعض البلاد الساحلية الصليبية وانتزعها من أيدي فرسان القديس "يوحنا" مُحاولاً بذلك أن يُبرر موقفه أمام الرأي العام الإسلامي الذي اتهمه بأنه وَجَّهَ ضربة قاضية وشديدة للإسلام حين قضى على الدولة العثمانية وقضى على السلطان المجاهد العظيم الصاعقة "بايزيد الأول"
    لكن أبى الله إلا أن يُخَلِّد ذكر الصاعقة "بايزيد الأول" ، ويأتي من نسله أبطال عظماء لطالما استمتعنا بقراءة سيرهم وبطولاتهم ، مثل "محمد الثاني" فاتح القسطنطينية ؛ فهو "محمد الفاتح" بن "مراد الثاني" بن "محمد جلبي" بن السلطان "بايزيد الأول" ، ذرية بعضها من بعض
    مات السلطان بايزيد الأول وقد بلغ من العمر 44 عاماً
    وظلت سيرة السلطان "بايزيد الأول" وستظل دائماً نوراً ونبراساً يُضيء لنا الدرب إلى الجهاد وإلى نصرة دين الله
    قال الإمام الحافظ المحدث العلامة "ابن حجر العسقلاني" (رحمه الله) عن السلطان "بايزيد الأول" : ((كان من أكبر ملوك الإسلام ، وأتمهم يقينا ، وأيمنهم نقيبة ، وأكثرهم غزواً في بلاد الكفار ، وكان يُنكر على ملوك عصره تقاعدهم عن الجهاد وأخذهم المكوس)) .. وقال رحمه الله : ((وكان أبو يزيد بن عثمان (بايزيد الأول) من خيار ملوك الأرض ، ولم يكن يلقب بلقب ولا أحد من آبائه وذريته ، ولا دُعي بسلطان ولا ملك ، وإنما يُقال "الأمير" تارة و"خوند خان" تارة ، وكان مُهاباً يحب العلم والعلماء ويُكرم أهل القرآن)) .. وقال رحمه الله : ((وكان يجلس بكرة النهار فى براحٍ متسع ، وتقف الناس بالبعد عنه بحيث يراهم = فمن كانت له ظِلامة رفعها إليه فأزالها في الحال)) .. وقال رحمه الله : ((وكان الأمن فى بلاده فاشياً بحيث يمر الرجل بالحمل مطروحاً بالبضاعة فلا يتعرض له أحد))

    0 التعليقات:

    إرسال تعليق

     
    تصميم : Bloggermint | تعريب : قوالبنا للبلوجر
    المصري المثقف -2012