اليابان هي النموذج

 
 

زارنى وفد يابانى رسمي يضم جامعياَ وكاهناَ وأحد رجال
الأعمال هو السيد جيرنيموتو رئيس مجالس إداررة شركات كبري
وأكبر شركة في الدنيا. والرجل بسيط جداَ. لا يلفت النظر ولكنه يحسن
التعبير عما يريده. والذي أراده هو: أنه لا وسيلة أخري لتغيير أي
مجتمع وتطويره إلا بالعلم. واليابان نموذج لذلك.

وكذلك كثير من الدول الأوروبية والآسيوية والأمريكية. وعندما
يقول العلم: يعنى كل العلوم النظرية والتطبيقات العلمية والرياضية.
وأن يشغل المعمل وقاعات البحث أهم وأعلي مكانة في أي مكان.
وبس!

ولم يكن الرجل في حاجة إلي أن يذكرنى بأن مصر واليابان قد
بدأت كل منهما تتجه إلي الغرب بحثاَ عن الأستاذ.ولكن اليابان قد
قامت بأول وآخر ثورة بيضاء في التاريخ، وكان ذلك في نهاية
القرن التاسع عشر، عندما أحس اليابانيون بأنهم جهلة. وأهم من
ذلك أنهم يريدون أن يتعلموا. وكانوا بين أمرين: إما أن يذهبوا إلي
أوروبا وإما أن يأتوا إليهم بأوروبا وأمريكا. وقبل أن يقرروا أوفدوا
عشرة من شبابهم ليروا الدنيا فرأوا وعادوا.

وتناقشوا وقرروا: أن يأتوا بالخبراء من بريطانياليبنوا لهم
السكك الحديدية، ومن ألمانيا ليبنوا لهم المستشفيات وصناعة
الأدوية، ومن فرنسا ليضعوا لهم الدستور والقانون، ومن إيطاليا
ليعلموهم الرسم والموسيقي، ومن أمريكا ليقيموا لهم المدارس. وجاء
الخبراء الأجانب وعلموا ألفي ياباني ثم عشرين ألفاَ ثم مائة ألف.

وأغلق اليابانيون أبوابهم عليهم وراحوا يعلمون أنفسهم. فكان ما
يدهشنا ويدهش العالم كله.. ويكفي أن تعرف أن ميزانيات البحث
العلمى في اية شركة يابانية تعادل الدخل القومى المصري مرة
ومرتين!

قال لي رجل الأعمال اليابانى: لايوجد سر. ولاسحر ولا وصفة
خارقة من أجل أن تتقدم مصر. السبيل هو العلم. والذى أوله علم آخره
نور. واليابان تنتقل من نور إلي نور. فالعلم يقوم علي المعرفة
والمعرفة لا تنتهي والصبر والمنافسة والتفوق الذي لاحدود له!

ولن تتقدم الدول بعالم واحد عبقري ولابعشرة.. وإنما بألف ألف
يفرزون من بينهم عدداَ من العلماء أصحاب الخيال والطموح
والصبر..

أنيس منصور
من كتاب تعالوا نفكر ص 309