السلفية العلمية

نشرت في :
  • الأحد، 11 سبتمبر 2011
  • | من قبل
  • Unknown
  • |
  • السلفيين
     

    السلفية العلمية




    في منتصف السبعينات أنشأ مجموعة من قادة الحركة الطلابية الإسلامية في عدد من جامعات مصر تيارالسلفية العلمية لكن كان ثقلها الرئيسي في جامعة الإسكندرية حيث قادها من هناك و إلى جميع أنحاء مصر محمد إسماعيل المقدم و سعيد عبد العظيم و أبو إدريس و أحمد فريد و غيرهم و كان من أبرز قادتها في القاهرة حينئذ عبدالفتاح الزيني, و قد رفضوا الإنضمام للإخوان المسلمين عام 1978م و سموا أنفسهم المدرسة السلفية و رفضوا لفظ الأمير لإعتبارهم أنه يقتصرعلى إمارة الدولة و لكن أطلقوا على قائدهم أبي إدريس لقب "اسم قيم المدرسة السلفية" أسوة بالمدارس العلمية التي كانت قائمة في عصور الإزدهار في التاريخ الإسلامي, و احتدم التنافس بين "المدرسة السلفية" و الإخوان على ضم الشباب و السيطرة على المساجد, و عندما أصدرت المدرسة السلفية نهاية عام 1979م سلسلة كتب دورية باسم "السلفيون يتحدثون" تندر عليهم بعض الإخوان بقولهم السلفيون يتحدثون و الإخوان يجاهدون و كان الجهاد الأفغاني قد اندلع لتوه ضد السوفيت و كان الشائع حينئذ أن المجاهدين الأفغان هم من الإخوان المسلمين.

    و ظلت السلفية العلمية تطلق على نفسها اسم "المدرسة السلفية" لعدة سنوات لكنها سعيا لتطوير حركتها و اعطاءها مزيد من الحركية زاد اهتمامهم بالعمل الجماهيري و أطلقوا على منظمتهم اسم "الدعوة السلفية" و بذلك اصبح اسم "المدرسة السلفية" مجرد تاريخ.

    و"الدعوة السلفية" منتشرة في كل أنحاء مصر و لها أتباع كثيرون يقدرون بمئات الألوف و يطلق عليهم اختصارا اسم "السلفيين" لكنهم ليسوا تنظيما هرميا متماسك مثل الإخوان المسلمين بل يغلب عليهم التفرق لمجموعات يتبع كل منها شيخ من المشايخ لكن مشايخها متعاونون بدرجة كبيرة جدا, ومن مشايخها المشهورين غير الذين ذكرناهم محمد حسان و أبو ذر القلموني صاحب كتاب "ففروا إلى الله" و محمد حسين يعقوب و محمد حسين العفاني و ياسر برهامي و أبواسحاق الحويني و مصطفى العدوي و غيرهم كثير جدا لكننا ذكرنا أشهرهم.

    كما أن "الدعوة السلفية" مثلها مثل بقية تيارات الحركة الإسلامية الحديثة ترى وجوب رجوع المسلمين إلى الإلتزام بتعاليم الإسلام وفقا لمنهج السلف الصالح لكنهم أكثر حرفية و التزاما بذلك و اقل اجتهادا و تجديدا فيه, و يفرق بينهم و بين الإخوان المسلمين رفضهم للتصوف و آراء الأشاعرة و المعتزلة و الشيعة التي ترك الإمام حسن البنا الباب مواربا لها بهدف لم شمل المسلمين, كما يفرقهم عنهم أيضا رفض "الدعوة السلفية" للعمل الحزبي و الدخول في إنتخابات مجلسي الشعب و الشورى, كما يفرقهم عن الجهاد و القاعدة رفضهم للعمل المسلح و التنظيمات السرية.

    و أبرز استراتيجية معلنة لـ"الدعوة السلفية" و أدقها هي التي طرحها الشيخ محمد ناصر الدين الألباني (رحمه الله) في عدد من محاضراته و كتبه و تتلخص في أن ما لحق بالمسلمين من تدهور حضاري سببه الأحاديث الضعيفة و الموضوعة و الإسرائيليات و الأراء الفقهية التي تخالف الحديث الصحيح و بالتالي فالتغيير الإسلامي (حسب رأي الألباني) لابد من أن يمر بالمراحل التالية:
    أولا- التصفية: و هي أن يقوم علماء المسلمين بتنقية الكتب الشرعية كلها من الأحاديث الضعيفة و الموضوعة و الإسرائيليات و الأراء الفقهية التي تخالف الحديث الصحيح .

    ثانيا- التربية: حيث يتم دعوة و تربية أغلبية المسلمين على هذه الكتب الصافية من أي أخطاء.

    ثالثا- المفاصلة: حيث يعلن المؤمنون انفصالهم عن الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله و يعلنون أن هؤلاء الحكام على باطل و ينذرون الحكام و اعوانهم بالرجوع عن باطلهم و إلا سيواجهون جهادا إسلاميا من أهل الحق و يطالب كل المسلمين بتحديد موقفهم بشكل واضح إما مع أهل الحق و إما مع أهل الحكم و هنا حكمهم هو حكم أهل الباطل.

    رابعا- الجهاد: و هو في حالة ما إذا رفض الحكام الإلتزام بالإسلام بعد الإنذار السابق فحينئذ يجاهدهم أهل الحق لأن الصفوف في هذه الحالة ستكون قد تمايزت فصار بعض الشعب مع الحق و بعضه مع الباطل و هنا سيكون الفريقان المتصارعان واضحين لا بس فيهما, فلا يقع ضحايا لا علاقة لهم بالصراع بل يكون أى إنسان إما مع هذا الفريق أو ذاك.

    و قد قيل للشيخ الألباني و هل تنتظر أن يتركنا الحكام عندما ننذرهم و نتحرك في المجتمع لإستقطاب تأييد الناس؟؟ يا شيخ إنهم لن يتركوننا بل سيبادروننا بالقتال!!!

    فرد عليهم الألباني: يا إخواني بس شدوا حيلكم في تحقيق الكتب و نشر الدعوة الإسلامية بين أغلبية الشعب و عندما نصل للمفاصلة لن نختلف بشأن تحديد وقت الجهاد إن شاء الله.

    و الشيخ الألباني هو سوري من أصل ألباني و هو من أكبر علماء الحديث النبوي الشريف في عالمنا المعاصر, و قد تتلمذ عليه و على يد بعض تلاميذه عدد من كبار مشايخ الدعوة السلفية في مصر, و قد توفي في مطلع القرن الواحد و العشرين.

    و رغم أن "الدعوة السلفية" تتبنى استراتيجية الألباني هذه بشكل صريح تارة و بشكل ضمني تارة أخرى لكنها لم تضع تكتيكات محددة و متكاملة لتنفيذها, كما لم يتبع السلفيون أي خطط أو أساليب موضوعية محددة لتنفيذ هذه الإستراتيجية عمليا.

    ومن المتوقع أن يسعى النظام الحاكم في مصر في لحظة ما لافساح ساحة العمل السياسي أمام "السلفية العلمية" لاحداث توازن مع العمل السياسي الضخم الذي يقوم به الاخوان المسلمين, لأن السلفيين هم التيار الأضخم في الساحة الاسلامية المصرية إلا أنهم ليس لديهم مركزية في التنظيم كما لا يملكون عمق الخبرة التنظيمية و السياسية التي يتمتع بها تنظيم الاخوان المسلمين, فضلا عن أن توزع السلفيين إلى مجموعات متعددة تتبع كل منها شيخ من مشايخ السلفية هو عقبة أخرى من عقبات قيام السلفيين بأي دور سياسي, و قد كانت أحداث حرب غزة (2009) مناسبة لظهور أثر تعدد المشايخ على الموقف السياسي للسلفيين فقد رد الداعية الشهير الشيخ محمد حسان على الشيخ محمد حسين يعقوب بشأن موقفه من حرب غزة ردا اتسم بالحدة الشديدة إذ مدح الشيخ محمد حسان صواريخ حماس في برنامجه "جبريل يسأل والنبي يجيب" على قناة الرحمة وأنكر على من يقلل من جهدهم ويسخر من صواريخهم، وفي رد واضح على سخرية حسين يعقوب من حماس قال الشيخ حسان "شكراً لكم لقد بذلتم ما استطعتم كما أمركم ربكم ، و الدور على هؤلاء الذين يسفهون جهد إخواننا ويحقرون صواريخ إخواننا ويحقرون ضربات إخواننا الموجعة التي ملئت قلوب اليهود بالفزع وملئت قلوب اليهود بالرعب" ، و في هجوم لاذع على سخرية يعقوب من المقاومة دون ان يسميه قال "نحن نرجو الله و الدار الآخرة وهم يرجون حياة رخيصة بأي ثمن" ثم وجه حسان كلامه للحكام الذين يجلسون على كرسي الحكم فقال: "في النهاية الكل هيموت، انت فاكر إن الكرسي هيخوف ملك الموت، إنت فاكر إن الجنود هتخوف ملك الموت لا يا حبيبي... أين الظالمون وأين التابعون لهم في الغي .."

    و كان الشيخ محمد حسين يعقوب الداعية السلفي المشهور قد وجه قبلها نقدا لاذعا لحماس و سخر منها و من أعمال المقاومة سخرية مرة كما سخر ممن يطالبون الشعوب و الحكومات الإسلامية بعمل شئ لغزة و قال لا نستطيع أن نعمل لهم شيئا, كما سخر من الصواريخ التي تطلقها المقاومة و قال انها لا تفعل شيئا سوى أنها تعطي الذريعة لقتل الفلسطنيين, جاء ذلك في محاضرتين ليعقوب بثهما موقع طريق الاسلام عبر شبكة الانترنت قبل محاضرة حسان بيوم, و هذا الموقف يعطى صورة لما قد يكون عليه الأمر في حالة انغماس السلفيين في العمل السياسي في مصر, فهم قد يختلفون بشدة و يتنازعون في مواقفهم من القضايا السياسية المختلفة, و هذا أيضا جانب من جوانب ضعفهم إذا تمت المقارنة بينهم و بين الاخوان المسلمين الذين يملكون تنظيما مركزيا السمع و الطاعة فيه حديدية.

    و تيار الدعوة السلفية هذا منتشر في جميع أقطار العالم تحت أسماء و مسميات متعددة, و لكنها كلها متفقة في مجمل و جوهر المنهج الفكري, و إن تعددت إجتهاداتهم السياسية و التي يعتبرونها قسم من الإجتهاد الفقهي, فنجدهم في بعض الدول كالكويت و البحرين يشاركون بقوة في الحياة السياسية و المجلس النيابي, كما شارك بعض منهم في الحكم لفترة من الزمن في كل دول الخليج و اليمن و لكنهم سرعان ما يختلفون مع الحكام بسبب صلابة منهجهم. و على كل حال فهذا التيار السلفي الذي أسميناه هنا بالسلفية العلمية و كذلك توأمه الذي أسميناه هنا بالسلفية الحركية يمثلان في مختلف دول العالم أقوى و أكبر تيار إسلامي منافس لجماعة الاخوان المسلمين في العدد و الحيوية بل إن نشطاءه و أتباعه ضعف أتباع الاخوان المسلمين في كل مكان لكن هذا التيار يتخلف عن الاخوان المسلمين في القدرات و الخبرات التنظيمية و السياسية كما أشرنا سابقا.

    0 التعليقات:

    إرسال تعليق

     
    تصميم : Bloggermint | تعريب : قوالبنا للبلوجر
    المصري المثقف -2012