مواقف أنيس منصور
هناك أسطورة ألمانية تقول إن كهف العبقرية له باب ضيق.. وعند هذا الباب يجب أن يترك الإنسان جزءا من جسده أو عقله أو قلبه.. ولم يتردد الفنانون لحظة في أن يتركوا الكثير أمام الباب.
وكذلك لا أمل عند الفنانين في النجاة من العذاب.. ولكنهم هم الذين اختاروا العذاب.. لأن الفن قد اختارهم.. والذي يفقده الفنانون عند باب الكهف ليس إلا الحد الأدني من خسارته الحيوية, ولكنهم مادموا قد اختاروا لعبة الفن، فكل لعبة لها شروط، وشروط هذه اللعبة هي العذاب!
وكل شكل من أشكال الفن له أوجاع أخفها الأوجاع الجسمية: فنافخ الناي يصاب بالتهاب في شفتيه ورئتيه.. وعازف العود في أصابعه.. وعازف الكمان في عنقه.. وعازف البيانو في ظهره وأسنانه.. وعازف الطبلة في طبلة أذنيه.. والراقص في قدميه وساقيه وعموده الفقري.. والمطرب والممثل في حنجرته ورئتيه ومعدته وخلاياه! وهذه هي أمراض المهنة!
ومتاعب أهل الفن ـ شعراء وموسيقيين ورسامين وممثلين وراقصين ـ عضوية أيضا..
والسبب الأول هو الإرهاق الشديد.. وسوء التغذية وارتباك الوظائف العضوية بسبب فوضي الطعام والشراب والنوم والعمل والراحة!
وكثير من الفنانين عندهم رغبة قوية في ترك العمل, ولكنهم لا يجدون الشجاعة.. ولذلك فعندهم رغبة عميقة في الانتصار ليموتوا وهم يعملون.. ومن مظاهر الانتحار: مواصلة العمل.. أي مواصلة التعب.. وتعاطي المهدئات والمنبهات.. أي اللجوء إلي الراحة الإجبارية أو النشاط الزائف!
0 التعليقات:
إرسال تعليق