قرارات ثورية قبل رمضان
الانقلاب الذي ننشده اليوم هو في نفوسنا ..
وها هو شعبان قد انتصف، وداهمنــا الوقت ..
ولم يبق في العمر متسع لمزيدٍ من الغفلة عن المصير المحتوم
فانفض غبــار الخمول عنك، وانطلق للعمل بكل جِدٍّ
واجتهد في إصلاح هذه الأمور فيما بقي من شعبـــان:
1) الفرائض أساس والنوافل حُرَّاس ..
يقول الله عزَّ وجلَّ في الحديث القدسي "وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحب إليَّ مما افترضتُ عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه .." [صحيح البخاري]
والفرائض قسمان:
1) ترك المحرمات .. من أكل حرام .. نظر حرام .. مشي حرام .. لباس حرام .. مال حرام ..
2) فعل الواجبات.. من صلاة .. وزكاة .. وصلة أرحام .. وبر والدين .. وغيرها.
وهذا هو الأساس الذي تبني عليه استعدادك لرمضان، وفرض عين عليك أن تراجعه وتضعه في رأس أولوياتك فيما بقي من شعبان.
فابدأ اليوم بضبط فرائضك، وكن وقّافًا عند حدود الله تعالى، وتُب إلى الله مما نظرت إليه عينك من الحرام،
واستمعت له أذنك، وامتدت إليه يدك، وسعت له رجلك، وتذكَّر أن الله تعالى يغار، وغيرته أن تُنتهك محارمه.
2) الإكثــار من الصيـــام ..
وهذا لمن كان عادته الصيام من قبل؛ لأنه يُكرَه الصيام بعد النصف من شعبان إلا لمن كان له عادة، أو وصله بما قبل النصف .. لقول الرسول "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا، حتى يكون رمضان" [صحيح الجامع (397)]
وسُئِلَت عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ ، فَقَالَتْ: كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ قَدْ صَامَ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ قَدْ أَفْطَرَ، وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا. [صحيح مسلم]
وهذا يدل على أن الصيام بعد نصف شعبان جائز لمن كانت له عادة بالصيام، كرجلٍ اعتاد صوم يوم الاثنين والخميس، أو كان يصوم يومًا ويفطر يوماً .. ونحو ذلك.
وقال نبينا "لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يومٍ أو يومين، إلا أن يكون رجلٌ كان يصوم صومًا فليصم ذلك اليوم" [متفق عليه]
وذكر العلماء أسبابًا عدة لذلك، ومنها: الاستعداد للصيام والتشوق له، فيدخل رمضان على الناس بطعم جديد، ويتوقف الناس عن الصيام ترقبًا لدخول الشهر، ويُمنعون من الصوم قبله تشويقًا إلى تذوق لذته الكبرى في شهر الصوم رمضان.
وأما الحكمة من صيام شعبان ..
فهو أن الصيام فيه كالتمرين على صيام رمضان؛ لكي لا يدخل صوم رمضان على العبد بمشقة وكلفة، بل يكون قد تمرَّن على الصيام واعتاده، ووجد بصيام شعبان حلاوة الصيام ولذته؛ فيدخل في رمضان بحماسة وشوق لاستكمال ما بدأ.
3) الإكثــار من قراءة القرآن ..
كثيرٌ منا يقضي الساعات الطوال في استخدام الإنترنت والفيس بوك، ويبخل بعُشر هذا الوقت عن كتاب الله، وقد جاء اليوم وقت الإصلاح وموعد إعادة الأمور إلى نصابها..
ابدأ أخي الآن - إن كنت من مدمني النت والفيس بوك - بتقليل ساعات جلوسك عليه، واعلم أن رمضان وما قبله وبعده أغلى من ذلك بكثير.
وليكن من نوايا قراءة القرآن هذا العام إضافة إلى الاستكثار من الحسنات:
الخروج من التلاوة بعمل جديد لم تعهده من قبل .. يكون ثمرةً لتدبر آية وخشوع سورة، وعلى أساس العمل بالقرآن تتفاوت مقادير الرجال وتختلف أوزانهم، وهو ما قرَّره عمر بن الخطاب رضي الله عنه "لا يغُرَّنكم من قرأ القرآن، فإنما هو كلام يُتكلَّم به، ولكن انظروا من يعمل به".
وليكن كذلك من نواياك أن تصلح نفسك وغيرك في ضربة واحدة؛ لأن نور الوحي إذا بزغ من القلب عمَّ الجوارح، ولذا قال ميمون بن مهران: "لو صَلُحَ أهل القرآن، صلُح الناس".
4) سلامة الصدر ..
تفقَّد نفسك، وفتش باطنها، خشية أن تكون قد ابتليت بشيء من الشرك الجلي أو الخفي .. ولذا قال "إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر"، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟، قال "الرياء، يقول الله عزَّ وجلَّ إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء" [صحيح الجامع (1555)]
طهِّر قلبك من الشحناء والبغضاء؛ لأن الله تعالى لا يغفر للمتشاحنين .. والشحناء هي: حقد المسلم على أخيه المسلم بغضًا له لهوى في نفسه، فهذه تمنع المغفرة في أكثر أوقات المغفرة والرحمة، كما في صحيح مسلم عن أبى هريرة: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ "تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا" [صحيح مسلم]
هل من نعيم أجمل من سلامة الصدر؟
تقضي يومك وليلتك وأنت في راحة بال، بينما غيرك تغلي قلوبهم حنقًا على غيرهم ..
فاحرص على أن تكون «مخموم» القلب من الآن، وادخل رمضان وقد فرّغت قلبك للانشغال بالخالق دون الخلق، وبذلك تكون أفضل الناس عند الله.
ألم يأتك خبر أن رسول الله قيل له: أي الناس أفضل؟، قال "كل مخموم القلب، صدوق اللسان"، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟، قال "هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد" [رواه ابن ماجه وصححه الألباني]
0 التعليقات:
إرسال تعليق