حادث 4 فبراير 1942
وأما الحديث الثاني ذو الأهمية الكبرى والذي كان له أسوأ الأثر في نفوس جميع المصريين لأنه جرح كبرياءهم ومس كرامتهم ذلك هو حادث 4 فبراير سنة 1942 المعروف. وقد وقع هذا الحادث على أثر الأزمة التي حدثت بين الملك فاروق وحسين باشا سري رئيس الوزراء في يناير سنة 1942 عندما قطعت مصر علاقاتها الدبلوماسية بحكومة فيشي الفرنسية تحت ضغط الحكومة البريطانية، وكان فاروق خارج الأراضي المصرية عندما أخذت حكومة حسين سري هذا القرار. واحتج الملك وغضب لأخذها ذلك القرار دون التشاور معه. وطلب من رئيس الوزراء تنحية وزير الخارجية المصرية صليب سامي.
ولما كان وزير الخارجية قد تصرف بناء على توجيهات من رئيس الوزراء فقد رأى حسين سري أن تستقيل وزارته بأسرها. وقد استقالته يوم 2 فبراير سنة 1942. واعتقد الإنجليز أن الملك ربما يستدعي علي ماهر لتأليف الوزارة الجديدة لأن مظاهرات الطلبة في ذلك الوقت كانت تنادي به. كما أنه كان معروفاً بعدائه للإنجليز وتعاطفه مع الألمان. ولهذا رأى السفير البريطاني مايلز لامبسون أن يتصرف بسرعة خاصة أن القوات الألمانية في ذلك الحين تحت قيادة روميل كانت قد وصلت إلى طبرق. وكانت مظاهرات الطلبة يتردد بين هتافها وتنادي بتقدم روميل.
وفي اليوم التالي لاستقالة حسين سري تحرك السفير البريطاني وطلب من الملك فاروق استدعاء مصطفى النحاس زعيم الوفد ليقوم بتأليف الوزارة لاعتقادهم أن النحاس سيكون خير من يتعاون معهم في ظل هذه الظروف الصعبة التي يواجهونها وتدهور الموقف العسكري في شمال أفريقيا. وقد جاءهم هذا الاعتقاد لمعرفتهم بمعاداة النحاس للمحور الفاشستي الألماني الإيطالي وبحكم أنه أيضاً صاحب الأغلبية الشعبية في البلاد.
وفي يوم 4 فبراير والملك كان لا يزال يتشاور مع زعماء الأحزاب السياسي في مصر وبعض السياسيين في الموقف باحثاً معهم عن القرار الواجب عليه اتخاذه فقد وصله عند الظهر من ذلك اليوم إنذار من السفير البريطاني يبلغه فيه أنه إن لم يصله حتى الساعة السادسة من مساء نفس اليوم ما يفيد بأن الملك قد طلب من النحاس تأليف الوزارة فعليه – أي على الملك- أن يتحمل النتائج. واستدعى الملك زعماء الأحزاب والسياسيين القدامى في البلاد وطلب منهم مناقشة الموقف والاقتراح عليه بما يرونه من حلول إزاء تلك الظروف. وكان الرأي منهم مجمعاً على تشكيل وزارة ائتلافية من جميع الأحزاب وعلى أن يرأسها النحاس. وعلى أن يرسل رئيس مجلس النواب المصري في نفس الوقت احتجاجاً إلى السفير البريطاني لاعتدائه على استقلال مصر. ولكن النحاس لتجاربه السابقة مع الوزارات الائتلافية وفشلها تمسك بتأليف الوزارة من حزب الوفد فقط دون باقي الأحزاب. وكان متشدداً في هذا الموقف ومتمسكاً به مما جعل أحمد باشا ماهر شقيق علي ماهر يحمل عليه ويصمه بأنه أتى إلى الحكم على أسنة الحراب البريطانية. وقد وجه إليه هذا الاتهام صراحة ودون تحفظ أثناء اجتماع الزعماء السياسيين.
وكانت الساعة السادسة مساء قد حانت وهي موعد انتهاء الإنذار البريطاني دون أن يصل الزعماء إلى حل. وقام السفير البريطاني بتنفيذ إنذاره وتحركت قوة عسكرية بريطانية بعرباتها المصفحة وقامت بمحاصرة قصر عابدين المقر الرسمي للملك. ثم حضر إلى القصر السفير البريطاني بعد أن تم حصاره يرافقه الجنرال ستون واقتحما بوابة القصر بدبابة. ثم دخل السفير ومعه الجنرال وعدد آخر من الضباط الإنجليز إلى مكتب الملك دون استئذان. وطلب منه أن يعين النحاس رئيساً للوزارة وأن يترك له حرية اختيار وزرائه وإلا فإنهم سيعملون على عزله من على عرش مصر. واضطر الملك إلى الخضوع لهذا التهديد منهم وصدع بما أمر به ونفذ طلبهم.
من مذكرات عبد اللطيف البفدادي
1 التعليقات:
Thanks to topic
إرسال تعليق