ولم تتكون أي جماعة اسلامية في اطار الحركة الإسلامية الحديثة بعد تأسيس "شباب محمد" و "القطبيين" إلا في عام 1964م عندما تأسست الخلايا الأولى لتنظيم الجهاد المصري.
نشأة تيار الجهاد في مصر و أسبابها:
روج الكثيرون لفكرة أن تيار الجهاد خرج من عباءة الإخوان المسلمون, وشاعت هذه الفكرة على أنها حقيقة ثابته يقينا لا يجوز أن يتطرق لها البحث العلمى الموضوعى بتحقيق أو نقد أو تمحيص لاسيما أن هذه الفكرة تستخدم دائما من أجل التعريض بفكر جماعة الإخوان المسلمين و أنه السبب فى كل ما يتأتى من قبل أى جماعة إسلامية على الساحة.
و لقد آمنت بهذه الفكرة في بداية إلتحاقي بالحركة الإسلامية أواخر السبعينات من القرن العشرين الميلادى, وظللت متمسكا بها إلى أن قررت كتابة تاريخ الحركات الإسلامية المعاصرة في مصر فحينئذ قررت أن أخضع كل شئ للبحث العلمى بمعايره الصارمة.
وقد كنت وما زلت أؤمن أن كتابة تاريخ الحركة الإسلامية يستلزم جمع وتوثيق الروايات والشهادات الشفهية من صدور صانعى الأحداث من قادة و أبناء الحركات الإسلامية, و إذا كان هذا حتمى بالنسبة لحركات كتب عنها الكثيرون سواء أعداء أو أصدقاء كحركة الإخوان المسلمين, فإن هذا يصير أكثر حتمية بشأن جماعات لا يزال تاريخها و كثير من أسرارها طى الصدور والكتمان ولم يكتب منه شئ ذا بال في كتاب مسطور مثل الجهاد المصرى أو غيره كالقاعدة و من نحى نحوها.
و إنطلاقا من هذا المبدأ كانت لقاءاتى العديدة مع العديد من قادة الحركات الإسلامية و أبناءها ذوي الإطلاع على الأحداث و خلفياتها, و من هذا ما يخص جماعة الجهاد الإسلامى المصرية و تاريخها الذى سطرناه من حصيلة كم هائل من المقابلات مع قادة ومصادر جهادية عديدة لكننا فى أغلب الأحيان لن نتمكن من ذكر هذه المصادر بشكل صريح وذلك بناء على طلبهم والذى عللوه بأسباب لا تخفى على حصافة القارئ. النشأة
نشأت أول مجموعة جهادية في مصر حوالى عام 1964م بالقاهرة, وكان أبرز مؤسسيها ثلاثة هم علوى مصطفى (من حى مصر الجديدة) و إسماعيل طنطاوى (من حى المنيل) ونبيل البرعى (من حى المعادى) وكانوا جميعا طلبة في الثانوية العامة وقتها, ولقد تخرج إسماعيل من كلية الهندسة بجامعة الأزهر فيما بعد, كما تخرج علوى من كلية الهندسة أيضا, بينما تأخر نبيل البرعى دراسيا ثم إلتحق بكلية الأداب بجامعة بيروت.
أصبحت هذه المجموعة تنظيما يضم عددا من المجموعات في القاهرة والجيزة والإسكندرية, وربما قليل من المحافظات الأخرى, وكانوا جميعا من طلبة ثانوى أو الجامعة لكن التنظيم إستمر سنوات كبر فيها كل صغير.
وكان من بين أعضاء هذا التنظيم أيمن الظواهرى في نهاية الستينيات, كما كان من أعضاء هذا التنظيم يحى هاشم ورفاعى سرور, و أيضا كان من أعضائه محمد إسماعيل المقدم من الإسكندرية, كما إنضم لهذا التنظيم في نفس الفترة (نهاية الستينات) مجموعة الجيزة التي كان من أبرز قادتها مصطفى يسرى و حسن الهلاوى لكن هذه المجموعة سرعان ما إنفصلت في أوائل السبعينات عند أول بادرة خلاف مع التنظيم.
ولقد ساهم في تشكيل أفكار وإستراتيجية التنظيم ثلاثة عوامل:
الأول- أن كل قادة و أعضاء التنظيم تربوا في مساجد الجمعية الشرعية و جماعة أنصار السنة المحمدية وهما جماعتان ذاتا توجه سلفى واضح, كما تأثر جميع أعضاء التنظيم بالشيخ محمد خليل هراس " وهو أحد علم اء الأزهر ، ورئيس جماعة أنصار السنة في ذلك الوقت من أواخر الستينيات وحتى منتصف السبعينيات من القرن الماضي" تأثرا كبيرا جدا حتى أن بعض المصادر تنقل روايات لم تتأكد بعد أنه رحمه الله كان على علم بالتنظيم ويؤيده ويوجهه شرعيا.
الثانى- أن فكرة الإنقلابات العسكرية كانت رائجة في ذلك الوقت في المنطقة العربية والعالم , وجرى تنفيذها بنجاح كبير في دول عربية و إسلامية كثيرة في ذلك الوقت, كما راجت في ذلك الوقت أيضا فكرة حرب العصابات من أجل التحرر الوطنى.
الثالث- إعتقاد مؤسسو التنظيم أن تنظيم الضباط الأحرار كان تابعا للإخوان المسلمين ثم خانهم لإن الإخوان لم يحسنوا تربية و تثقيف الضباط على فكر الجماعة, كما أن الجماعة –حسب رأيهم- أخطأت لأنها لم تسخدم القوة وتحديدا الإنقلاب العسكرى في مواجهة عبدالناصر.
و كانت الأثار المباشرة لهذه العوامل الثلاثة هو تبنى التنظيم للمنهج السلفى في مجالى الإعتقاد والدراسات الشرعية, وتبنيه لمنهج التغيير السياسى والإجتماعى والإقتصادى بالقوة المسلحة.
ولقد إختار التنظيم مبدئيا أسلوب الإنقلاب العسكرى لتحقيق هذا التغيير, وتبنى نهج الإعتماد في إختراق الجيش على أشخاص تم تربيتهم مسبقا في التنظيم ثم دفعهم للإلتحاق بالكليات العسكرية.
كان التنظيم يعتمد مناهج لتعليم الدراسات الشرعية، تقوم على أساس المنهج السلفى, كما ألزم الأعضاء بحضور دروس الشيخ محمد خليل هراس بمسجد "قولة" بعابدين و هو المقر العام لجماعة أنصار السنة المحمدية بمصر, كما تضمنت المناهج الدراسية بجماعة الجهاد الأولى هذه كتابي "فى ظلال القرآن" و"معالم في الطريق" لسيد قطب.
أما في مجال التدريبات العسكرية فإن هذه الجماعة لم تكن تتبنى سوى التدريبات البدنية الشاقة بجانب التدرب على الألعاب القتالية كالمصارعة و الكاراتيه, لأنهم كانوا يتبنون فكرة التغيير عبر التغلغل في الجيش و إستخدامه للقيام بإنقلاب عسكرى, وذلك عبر توجيه الأعضاء من طلبة الثانوى لدخول الكليات العسكرية وكذا توجيه الأعضاء من طلبة الجامعات للتحويل للكليات العسكرية.
ولهذا أيضا لم يكونوا يهتمون بشراء أو تخزين السلاح أو التدرب عليه خارج الجيش اللهم إلا ما كان من تصرفات فردية لم يكن التنظيم يمانع فيها.
و كانت هذه الجماعة تعتمد في مجال التجنيد على تجنييد الملتزمين بتعاليم الإسلام أيا كان إنتمائهم الفكرى بإعتبار أن خلافهم الرئيسي مع غيرهم هو مسألة (طريقة التغيير) فإقناع أى ملتزم بهذه الفكرة يحوله لشخص صالح للإنضمام لجماعة الجهاد, لكن كان بالطبع لهم بعض الملاحظات و الخلافات القليلة والجوهرية مع كل من الجمعية الشرعية وجماعة أنصار السنة المحمدية في بعض تفصيلات مسائل في العقيدة حتى أن علوى مصطفى كان قد كتب كتيبا في هذه المسائل.
وقد ظل هذا هو منهج جماعات الجهاد المصرية في الدعوة والتجنيد حتى الآن، حيث كانت مساجد الجمعية الشرعية و أنصار السنة وحلقات الدرس فيهما هى ملتقى أعضاء الجهاد, كما كانت الميدان الأبرز للدعوة والتجنيد لجماعة الجهاد في ذلك الحين بسبب انحسار النشاط الاسلامي في ذلك الوقت في هذه المساجد و منع الأنشطة الاسلامية في سائر ساحات العمل السياسي الأخرى كالجامعات و النقابات.
و لقد سألت العديد من المصادر و القادة و المؤسسين ومنهم نبيل البرعى تحديدا وكذا الدكتور مصطفى يسرى, هل كان لكم علاقة بالإخوان المسلمين؟؟ فأجابوا جميعا إجابة واحدة هى: لم أكن في يوم من الأيام عضوا في الإخوان المسلمين كما لم يكن أحد من أسرتى عضوا في الإخوان كما لم أتعلم على يد أحد من الإخوان.
وسألتهم ما الذى دفعكم لفكرة التغيير؟؟
قالوا: رأينا الواقع مخالف لما ينبغى أن يكون عليه الواقع الإسلامى كما درسناه فقررنا أن نغيره.
و سألتهم لماذا إخترتم القوة كوسيلة وحيدة للتغيير؟؟
قالوا: لأنها الوسيلة الوحيدة الناجحة كما أن النظام الحاكم يحكم بالقوة والقمع ويسد أى منفذ للتغيير السلمى, و يستخدم كل إمكانات الدولة لمنع أى تغيير إجتماعى إسلامى سلمى ومتدرج.
وسألتهم لماذا الإنقلاب العسكرى تحديدا وليس غيره؟؟
قالوا: أغلب حكام العالم الإسلامى حصلوا على الحكم بهذه الطريقة و هى طريقة فعالة ونحن أولى بإستخدامها لأننا نعبر عن دين وثقافة الأمة أما هم فلا يعبرون إلا عن فكر ومصالح الغرب الصليبى أو الشرق الشيوعى (طبعا كان الإتحاد السوفيتى والكتلة الشرقية قائمين في الفترة التى نتكلم عنها).
وفي نهاية الستينات كان من أعضاء التنظيم أيضا عصام القمرى.
إنشقاق في التنظيم ونشأة تنظيم يحى هاشم:
بعد هزيمة يونيو 1967م ثم محاكمة قادة سلاح الطيران المصرى الذين اعتبروا مسئولين عن الهزيمة عام 1968م ومجئ الأحكام مخففة ، خرجت مظاهرات حاشدة من الطلبة والعمال في القاهرة والإسكندرية ضد نظام الرئيس جمال عبدالناصر محتجة على الأحكام والهزيمة معا واستمرت هذه المظاهرات لفترة.
و انتهز يحى هاشم " وهو وكيل نيابة ، وأصبح أحد أعضاء التنظيم البارزين" الفرصة وحاول أن ينفذ أمرا كثيرا ما طاقت إليه نفسه, ألا و هوالإلتحام بالجماهير وقيادتها للإطاحة بعبدالناصر لأنه كان قد شعر في وقت سابق أن طريق الإنقلاب العسكرى بالطريقة التى تبناها تنظيم الجهاد بقيادة إسماعيل طنطاوى هو طريق طويل سيستغرق عشرات السنوات إن لم يكن مستحيلا أصلا.
و لقد خطب يحى هاشم في الجماهير المحتشدة الذين حملوه على الأعناق وطافوا به قليلا بالشوارع قبل أن يلقى القبض عليه ، حيث سرعان ما أطلقوا سراحه عندما تبين لهم أنه وكيل النيابة العامة.
و حينئذ بدأت المشاكل والخلافات ليس بين يحى والسلطات و لكن بين يحى هاشم ومعه مجموعة كان أبرزها رفاعى سرور من جهة ويقابلهم في الجهة الأخرى إسماعيل طنطاوى و علوى مصطفى وبقية التنظيم.
كان رأى إسماعيل طنطاوي ومن معه أن يحى مخطئ و أن عمله هذا هدد التنظيم بالإنكشاف.
وكان رأى يحى هاشم ومن معه أن خطة التنظيم مستحيلة التحقيق وأن الوقت مناسب لكشف حقيقة عبدالناصر ونظامه للناس بعد الهزيمة وتأليبهم عليه والقيام بمشروع تغييرى ذى طابع جماهيرى ( إما ثورة شعبية و إما حرب عصابات).
وفي المناقشات ظهرت خلافات عديدة أخرى أبرزها أن إسماعيل طنطاوى وفريقه يرون حتمية الإلتزام بالشكل الظاهري ( من لحية للرجال ونقاب للنساء) , بينما يرى يحى وفريقه عدم حتمية ذلك في ظروف عدم قيام الحكم الإسلامى في البلاد كى تتيسر حركة التنظيم السرية.
و لم تفلح كل محاولات الوفاق و إنشق يحى وفريقه و أسسوا جماعة أخرى.
وفي عام 1975م اشتبكت مجموعة يحي هاشم مع الأمن في الجبل وتم تصفية يحى هاشم و مجموعة من القادة وسجن أخرون وبذلك إنتهت جماعة يحى هاشم.
إنشقاق أخر في التنظيم:
إثر حرب أكتوبر1973م تفجر خلاف أخر بين أعضاء التنظيم بشأن مدى إسلام ضباط الجيش من أعضاء التنظيم الذين شاركوا في الحرب خاصة من مات منهم فيها, وكان من ضمن الذين ماتوا شقيق علوى مصطفى, وتزعم علوى القول بأنهم شهداء بينما أصر أخرون على أنهم غير شهداء لأنهم قاتلوا تحت راية الطاغوت( السادات ) ولتحقيق أهدافه.
و حاول إسماعيل طنطاوي التوفيق بين الطرفين دون جدوى, وانشق علوى عن التنظيم كما فارق أخرون التنظيم دون أن يعملوا في إطار تنظيمي آخر, وإستمر التنظيم بقيادة إسماعيل طنطاوي وظل معه كثيرون أشهرهم نبيل البرعى وعصام القمرى وأيمن الظواهرى و كان معهم في ذلك الوقت أو بعده بقليل سيد إمام الشريف.
إستقلال مجموعة الجيزة:
وإثر تعدد الخلافات هذا إقترح حسن الهلاوى من قادة مجموعة الجيزة على مصطفى يسرى القائد الأرفع منه أن تستقل المجموعة عن إسماعيل طنطاوى إلى أن تنتهى الخلافات عنده, وبذا إستقلت المجموعة إلى حين, وهى التى كانت تشكل كمجموعة مستقلة أصلا من قبل أن تنضم لتنظيم إسماعيل طنطاوى.
نشأة جماعة صالح سرية:
عندما أقام الدكتور صالح سرية في مصر كموظف بجامعة الدول العربية حاول إقناع قيادة الإخوان في مصر بتبنى فكرة الإنقلاب العسكرى لكن دون جدوى, و أثناء ذلك تعرف على العديد من الشباب من قادة و أعضاء تنظيمى إسماعيل طنطاوى و يحى هاشم ، سواء في لقاءات إسلامية ببيت السيدة زينب الغزالى ، أو في مساجد الجمعية الشرعية و أنصار السنة.
وحاول صالح سرية التقارب معهم جميعا إلا أنه إصطدم بسلفية إسماعيل, حيث كان صالح يرى إرجاء حسم الخلافات في مسائل عقيدية وفقهية لما بعد إقامة الدولة الإسلامية بعكس إسماعيل الذى يرى حتمية الإلتزام بكل مواقف السلف الصالح من أهل السنة والجماعة وعدم التعاون مع أى شخص يخالف ذلك, كما إستحال التقارب بين صالح ويحى هاشم بسبب إصرار الأول على الإنقلاب العسكرى وإصرار الثانى على حرب العصابات.
وهكذا فشل صالح في التوافق مع الجهاد بعد فشله في التوافق مع الإخوان المسلمين, فكان لزاما عليه أن ينشئ تنظيمه الخاص ممن تعرف عليهم سواء عند زينب الغزالى أو عند إسماعيل أو يحى ثم تحرك بهم وضم جددا ومن ضمن من جرى ضمهم مجموعة الجيزة وصار من أبرز القادة في تنظيمه أحمد صا لح (بورسعيد) كارم الأناضولى و مصطفى يسرى وحسن الهلاوى(الجيزة) وطلال الأنصارى وخالد المنشاوى وعلى المغربى(الإسكندرية) ومحمد شاكر الشريف (قنا) وغيرهم.
وبعد فشل المحاولة الإنقلابية التى دبرها التنظيم عبر الكلية الفنية العسكرية عام 1974م والحكم على صالح وكارم بالإعدام وغيرهم بأحكام مختلفة, تم إنتخاب المهندس أحمد صالح من بين الحائزين لحكم البراءة أميرا عاما للتنظيم, وتم إعادة تشكيل التنظيم.
وقد تعرض التنظيم لضربة أمنية عام 1977م, وتمت محاكمة عدد كبير من قادته وأعضائه فيما عرف إعلاميا بإسم قضية تنظيم الجهاد وتم الحكم على المهندس أحمد صالح بعشر سنوات سجن كما نال الباقون أحكاما مختلفة.
وتم إنتخاب الدكتور مصطفى يسرى أميرا عاما للتنظيم, ونشط التنظيم إلى أن أصدر مصطفى يسرى قرارا بحل التنظيم إثر إختراقات أمنية للتنظيم وضربه أمنيا فيما عرف بقضية تنظيم الجهاد 1979م.
وبعد حل التنظيم شكل كل قائد من قادة المستوى الوسيط بالتنظيم تنظيما مستقلا من المجموعات التى كانت تابعة له قبل الحل, كما حاول بعضهم إعادة ضم كل المجموعات في تنظيم واحد كبير, وذلك كله له قصة كبيرة أخرى لاسيما أن أحد القيادات الوسيطة هذه هو محمد عبد السلام فرج مؤلف كتاب "الفريضة الغائبة" وقائد التنظيم الذى إغتال رئيس مصر السابق أنورالسادات في أكتوبر 1981م.
مسيرة تنظيم إسماعيل طنطاوى حتى أكتوبر 1981م:
عندما تم القبض على صالح سرية وتنظيمه تحسب إسماعيل طنطاوى من ورود إسمه في التحقيقات فهرب إلى هولندا وبعدها تزوج هولندية وحصل على الجنسية الهولندية, وعندما داهم الأمن منزله لم يجده.
وقام بعد ذلك كل من أيمن الظواهرى وسيد إمام وعصام القمرى بإعادة تنظيم الجماعة واستمروا في نشاطهم إلى أن إنكشفوا للأمن في أكتوبر 1981م بسبب محاولاتهم للإندماج مع تنظيم محمد عبد السلام فرج, و ألقى القبض على أيمن الظواهرى وعصام القمرى ونبيل البرعى والدكتور أمين الدميرى ومعظم أعضاء التنظيم, وهرب كل من سيد إمام و محمد الظواهرى.
و إلى هنا ينتهى فصل واحد من فصول تاريخ تنظيم الجهاد المصرى لتبدأ فصول أخرى عديدة.
تيار الجهاد في مصر و إغتيال السادات
لقد شهد عام 1980م أحداثا هامة في تاريخ تيار الجهاد المصرى يمكن إيجازها على النحو التالى:
1. حل تنظيم الجهاد بقرار من الدكتور مصطفى يسرى أميرعام التنظيم آنذاك, وإمتناع القيادات الوسطى للتنظيم عن إبلاغ قرار الحل للمجموعات, وإستقلال كل منهم بمجموعته للعمل منفردا وفق أراءه الخاصة التى تعلمها في إطارالتنظيم المحلول.
2. طرح المهندس محمد عبدالسلام فرج لتصوره عن التكتيكات و الأساليب الواجب إتباعها من قبل التيار الجهادى في سعيه لتحقيق أهدافه, و قد سعى المهندس محمد عبدالسلام لتحقيق أهدافه بهذه الأساليب والتى تعتبر مزيجا من أساليب جماعتى التبليغ و الدعوة و الإخوان المسلمين, و كان محمد عبدالسلام أحد القيادات المتوسطة في تنظيم الجهاد.
3. نجاح المهندس محمد عبدالسلام في عدة خطوات كان لها تأثيرها الكبير على التيار, وهى:
أ) تجنيد مقدم المخابرات الحربية عبود الزمر لتنظيم الجهاد الذى يقوده.
ب) إقناع قيادة الجماعة الإسلامية بالصعيد بفكر الجهاد و تجنيدها لصالح هذا الفكر, و ضمها للعمل من خلال مجموعاته.
ج) الإندماج مع عدة مجموعات جهادية هامة أولها من حيث الترتيب التاريخى مجموعة نبيل المغربى.
أ) تجنيد مقدم المخابرات الحربية عبود الزمر لتنظيم الجهاد الذى يقوده.
ب) إقناع قيادة الجماعة الإسلامية بالصعيد بفكر الجهاد و تجنيدها لصالح هذا الفكر, و ضمها للعمل من خلال مجموعاته.
ج) الإندماج مع عدة مجموعات جهادية هامة أولها من حيث الترتيب التاريخى مجموعة نبيل المغربى.
ولقد ساهمت هذه الأحداث في تشكيل تاريخ تيار الجهاد في المراحل التالية على النحو الذى ستظهره السطور التالية.
لقد أدت الطريقة التى سلكها محمد عبدالسلام إلى خروج تنظيم الجهاد من حيز الكم العددى المحدود إلى حيز الأعداد الكبيرة نسبيا و ذلك على حساب الكيف, و كان من المتوقع وقتها أن يكون ذلك على حساب الأمن لكن الحالة السياسية و الأمنية السائدة في مصر آنذاك ساعدت على إستمرار التنظيم آمنا و نشيطا حتى أغسطس 1981م.
كانت تكتيكات محمد عبدالسلام أشبه بنشاط تنظيم علنى يسعى للإنقلاب على نظام الرئيس السادات عبر وحدات من الجيش المصرى و وحدات شبه عسكرية سعى لتكوينها من مدنيين من أعضاء التنظيم, و نجح فى تكوين و تدريب بعض الوحدات المدنية كما نجح في ضم عدد من ضباط الجيش للتنظيم كان أشهرهم مقدم المخابرات الحربية عبود الزمر, و الملازم أول خالد الإسلامبولى, والملازم أول إحتياط مهندس عطا طايل, و المقدم ممدوح أبوجبل, و غيرهم.
كان تنظيم محمد عبدالسلام يتذرع بالسرية ظاهريا لكن التطبيقات العملية لمعظم قادة و أعضاء التنظيم كانت أقرب ما تكون للعلنية ليس إنطلاقا من مبادئ تنظيمية بقدر ما كان تعبيرا عن العشوائية و الإهمال, لكن ضعف الأجهزة الأمنية حينذاك كان السبب الرئيس لعدم إنكشاف التنظيم.
كان محمد عبدالسلام متعجلا بشدة للقيام بالتحرك الإنقلابى ضد حكومة السادات العلمانية, و فاقه في هذا التعجل نبيل المغربى الذى كان لديه مجموعة مدربة تدريبا شبه عسكرى كما كان نبيل المغربى نفسه ضابط إحتياط سابق بالمخابرات الحربية, و كان قد وضع برنامجا مكثفا ومبسطا و قصيرا لتدريب المدنين على عدد من الأعمال العسكرية التى رأى أنها كافية لتحقيق أهدافه.
و قد أدت حرفية عبود الزمر العسكرية لتعزيز نزعة التعجل (و يصفها البعض بالتهور) لدى محمد عبدالسلام, لأن العسكرى عادة ما يقول للسياسى أعطنى الإمكانات و أنا أنفذ, و هذا ما حدث من عبود عندما وضع خطة القيام بإنقلاب عسكرى يدعمه مدنيون مدربون عسكريا.
لقد طلب من محمد عبدالسلام و سائر القادة توفيرعدد حدده بدقة ليدربه عسكريا وفق برنامج تدريبى محدد, بجانب توفير كميات و أنواع السلاح والذخائر و الوسائل المختلفة اللازمة و التى حددها أيضا, لقد صار الأمر أكثر حسما لدى محمد عبدالسلام بعدما أيد تعجله رجل عسكرى بحجم عبود الزمر حتى لو كان هذا التعجل بشروط, وصار لهذا التعجل مبرراته الموضوعية, وصارت المشكلة مختزلة في توفير الإمكانات العسكرية فقط و التى هى في التحليل الأخير مال و رجال, و من ثم سعى محمد لإيجاد حلول سريعة لمشكلة ضعف الإمكانات.
ولم ترضه معدلات التجنيد التى تجرى عبر تكتيكات إما علنية أو شبه علنية رغم إرتفاع هذه المعدلات جدا بالقياس لما كان عليه التنظيم أيام مصطفى يسرى و من قبله, و من ثم سعى لتكتيك جديد يقوم على تجنيد قادة مجموعات كبيرة نسبيا بحيث يمثل تجنيدهم تجنيدا لسائر مجموعتهم, و في هذا الإطار تعرف على مجموعات عدة و قام بضمها, بعضها كان من المجموعات المتبقية من تنظيم الجهاد المحلول وبعضها كان على فكر أخر لكن قام محمد بإقناعهم بفكر الجهاد و جندهم له.
ومن أمثلة المجموعات الجهادية القديمة التى تم دمجها أو التنسيق معها مجموعة أحمد هانى الحناوى و جماعة محمد سالم الرحال التى كان يقودها آنذاك كمال السعيد حبيب و مجموعة بالشرقية (مركز منيا القمح) كان يقودها أنور عكاشة, و جماعة أيمن الظواهرى, وغيرهم.
كانت جماعة محمد سالم الرحال من أكبر المجموعات لأن الرحال سعى لتجميع معظم المجموعات المتبقية من تنظيم الجهاد القديم بعد حله, و لكنه سرعان ما تم ترحيله من مصر (كان فلسطينى يحمل الجنسية الأردنية) فترك قيادة التنظيم لكمال السعيد حبيب, الذى وافق فيما بعد على تنسيق واسع النطاق مع تنظيم محمد عبدالسلام و كان هذا التنسيق يقترب من حد الإندماج الكامل.
أما جماعة أيمن الظواهرى فكانت تركز على تحصيل الإمكانات المادية كالمال والسلاح و البيوت (لإستعمالها كقواعد للتنظيم أو مخازن للسلاح) أكثر من التركيز على الأفراد, بإعتبار أن تجنيد الأفراد هى مرحلة تالية لمرحلة إستكمال الإمكانات المادية, و قد تم الإتفاق على الإندماج بين المجموعتين عبر طارق الزمر مندوبا عن محمد عبدالسلام و الدكتور أمين الدميرى مندوبا عن أيمن الظواهرى.
أما أبرز المجموعات التى لم تكن على فكر الجهاد و إستقطبها محمد عبدالسلام لفكر الجهاد فهى مجموعة الصعيد و التى عرفت باسم الجماعة الإسلامية, وقصتها مشهورة حيث كان الخناق الأمنى قد تم تضييقه على الجماعة الإسلامية بجامعة أسيوط بعدما سلكت سلوكا عنيفا يما عرف في أدبياتهم فيما بعد بتغيير المنكرات باليد كتكسير البارات و منع الإختلاط بين الجنسين بالقوة, و كان قادة هذه الجماعة قد تمردوا منذ عام 1979م على نصائح قادة الإخوان المسلمين كالأستاذ عمر التلمسانى و الدكتور محمد حبيب و قرروا الإستمرار في سلوكهم السياسي الخاص بهم, و أثناء هذا التضييق الأمنى هرب منهم من هرب و كان من الهاربين كرم زهدى أحد أبرز عناصر مجموعة من 12 شخصا كانت تقود عمل الجماعة بالجامعة و كانت تسمت باسم مجلس الشورى, و لم يجد كرم مكانا للهرب و الإختباء من الأمن حينئذ سوى غرفات المدينة الجامعية بجامعة القاهرة, حيث كان الوضع الأمنى هادئا نظرا لسيطرة السلفيين و الإخوان على الحركة الطلابية بالقاهرة حينئذ.
و علم محمد عبدالسلام بخبر وجود كرم فقابله عبر عضو تنظيم الجهاد شعبان عبداللطيف الذى كان قد أعطى محمد عبدالسلام تقريرا شفهيا بشأن كرم و مجموعته وكان شعبان قد توثقت علاقته بكرم في المدينة الجامعية بالجيزة, و إستطاع محمد عبدالسلام أن يقنع كرم بفكرالجهاد, وتحمس كرم للإنضمام للتنظيم لكنه تريث حتى يرجع لبقية زملائه في مجلس شورى الجماعة الإسلامية بجامعة أسيوط, و رجع لهم كرم و جاءوا لمقابلة محمد و إقتنعوا كلهم بشكل أو بأخر بالفكر الجديد و أصبحوا جزءا من منظومة محمد عبد السلام.
و كان طموح محمد عبدالسلام واسعا بشأن سرعة التمكن من تنفيذ إنقلابه المأمول لذلك لم يكتف بهذه المعدلات المتسارعة من التوسع فى التجنيد أو الإندماج أو التنسيق بل سعى لإقناع جماعات و قادة من إتجاهات فكرية رافضة لفكر تنظيم الجهاد أصلا كالإخوان المسلمين و السلفين, فكانت الدعوة لعدد من قادة هذه الإتجاهات لحضور إجتماع في بني سويف تحت شعار التخطيط و التنسيق لمحاربة فكر جماعات التكفير في مصر, و كان هذا الشعار مجرد ساتر أمنى للتغطية على الهدف الحقيقى للإجتماع.
تولى الدعوة للإجتماع محمد سعد من قادة العمل الاسلامي السلفي في بنى سويف و ذلك بإيعاز من محمد عبدالسلام, و استضاف محمد سعد الإجتماع في مسكن أحد أتباعه في بنى سويف, و كان الغرض الحقيقى للإجتماع أن يعرض محمد عبدالسلام تصوره لإقامة الدولة الإسلامية عبر الإنقلاب العسكرى ويطلب من الحاضرين تأييد هذا التصور و دعمه بالمال و الرجال, و قد دعى محمد سعد لهذا الإجتماع قادة من السلفيين منهم محمد مصطفى الدبيسى و محمد أحمد إسماعيل المقدم و غيرهما كما دعى أسامة عبدالعظيم و لم يحضر, كما دعى بعضا من قادة الإخوان فحضر بعضهم, كما حضر عدد من قادة الجهاد على رأسهم محمد عبدالسلام و الدكتور عمر عبدالرحمن, و كان محمد سعد بمثابة شاهد و وسيط لأنه لم يكن حينئذ عضوا في تنظيم الجهاد حسب إحدى الروايات.
و رفض بعض الحاضرين ما طرحه محمد عبدالسلام وكان على رأس الرافضين قادة الإخوان المسلمين, كما تريث بعض السلفيين و طلبوا فتوى مباشرة و محددة بشأن هذا التصور من عدد من العلماء حددوهم حينئذ و كان من ضمن العلماء الذين حددوهم طالبين فتاوى منهم بالموافقة على هذا التصور الشيخ محمد ناصر الدين الألبانى و الشيخ عبدالعزيز بن باز.
و هكذا سعى محمد عبدالسلام بكل دأب للإسراع بالإطاحة بالرئيس السادات و إقامة دولة إسلامية وفق تصوره و يمكن تصور حجم نشاط محمد عبدالسلام إذا علمنا أن النتيجة كانت إرتباط كل المجموعات الجهادية التى كانت موجودة بمصر حينئذ بتنظيم محمد عبدالسلام برابطة ما, إما التنسيق أو التعاون أو الإندماج أو التعاهد على الإندماج و نحو ذلك من الإتفاقات.
لكن الأيام جرت بما لم يكن يتوقعه محمد عبدالسلام نفسه, فسرعان ما دبت الخلافات بينه وبين الجماعة الإسلامية, فتحولت العلاقة من إندماج كامل إلى تعاون ومعاهدة على الإندماج عندما يحين وقت القيام بالإنقلاب.
و لم يكد محمد عبدالسلام يفيق من هذه الخلافات حتى باغتته قرارت 5 سبتمبر1981م و كان محمد نفسه مطلوبا للإعتقال فيها لكنه نجح في الهروب من أجهزة الأمن, و في نفس الوقت كانت قوائم الإعتقال تتضمن أغلب أعضاء مجلس شورى الجماعة الإسلامية لكنهم هربوا ولم يعتقل منهم سوى طلعت فؤاد قاسم.
توجه عدد كبير من مجلس شورى الجماعة الإسلامية إلى القاهرة وسعوا لمقابلة محمد عبدالسلام و أركان قيادته, و في الإجتماع ألح قادة الجماعة الإسلامية على أهمية أن يتحرك تنظيم الجهاد بسرعة و يباشر القتال ما دام السادات بدأ بضرب الحركة الإسلامية عبر قرارات التحفظ (إشتهرت فيما بعد بقرارات 5 سبتمبر1981م) وحذروا تنظيم الجهاد من أن يقع فيما وقع فيه الإخوان المسلمون عندما ترددوا في إستخدام القوة ضد عبدالناصر مما أفسح المجال لعبدالناصر للبطش بهم, و في الواقع أن هذه الفكرة كانت الفكرة السائدة لدى تيار الجهاد و كان محمد عبد السلام نفسه هو الذى رددها كثيرا من قبل على أسماع قادة الجماعة الإسلامية, فحينئذ لم يكن أحد من الجهاد ينتقد الإخوان في شئ ذى بال غير هذا.
و كان محمد عبد السلام غائبا عن هذا الإجتماع لأسباب أمنية لكن حضره عبود و طارق الزمر و صالح جاهين و غيرهم من أركان القيادة لدى محمد عبدالسلام, و قد وعد الجهاديون قادة الجماعة الإسلامية خيرا لكن أرجأوا القرار النهائى لوقت لاحق و إن كانوا أشاروا لملامح القرار التى تلخصت في شن حملة إغتيالات واسعة النطاق لرؤس الحكم في البلاد تشمل فيما تشمل السادات نفسه, و تقرر في الإجتماع أن يقيم أسامة حافظ بالقاهرة ليكون حلقة الوصل بين الجهاد و الجماعة الإسلامية التى كان قادتها يعيشون هاربين في الصعيد, و إنفض الإجتماع على ذلك في مساء 25 سبتمبر 1981م.
في نفس الوقت الذى عقد فيه الإجتماع بمقر تابع لصالح جاهين بقرية صفط اللبن بمحافظة الجيزة داهمت ثلاث حملات من قوات الأمن ثلاث مقرات هامة لتنظيم الجهاد بالجيزة أحدها كان المقر المقرر لعقد الإجتماع المذكور و الثانى منزل عبود الزمر نفسه و ذلك بالمخالفة للقانون الذى يمنع تفتيش أى شئ تابع لضابط المخابرات الحربية إلا بواسطة المخابرت الحربية نفسها, و كان خبر إنطلاق الحملات قد وصل لتنظيم الجهاد قبيل إنطلاقها بخمس دقائق فاكتفوا بتغيير مكان الإجتماع و تشديد إجراءات التأمين له, مما ضيع على الأمن فرصة صيد ثمين وسهل كان الحصول عليه سيغير مجرى التاريخ في مصر.
و بعد الإجتماع علم قادة الجهاد بإنكشاف أمر التنظيم للأمن فجرت عملية إنتشار واسعة (هروب منظم) مما قطع صلتهم بأسامة حافظ و من ثم بمجموعة الجماعة الإسلامية برمتها.
و خلال أيام قرر محمد عبد السلام إغتيال السادات عبر عدد من ضباط الجيش التابعين له و استقر الأمر على قيام خالد الإسلامبولى بها على الوجه المشهور والمعروف عن العملية, و فى البداية عارض عبود و عدد من قادة الجهاد (على رأسهم المهندس أحمد سلامة مبروك) العملية لكن محمد عبدالسلام الرجل الأقوى في التنظيم قرر المضى في العملية فتمت.
كانت معارضة عبود لأسباب تكتيكية أما معارضة أحمد سلامة فكانت لأسباب إستراتيجية, حيث كان يرى عدم الصدام مطلقا مع الحكومة في هذه المرحلة و كان يصر على تهريب جميع قادة وعناصر التنظيم الذين تم كشفهم ، خارج البلاد بينما يكمل الباقون العمل بهدوء دون صدام لحين لحظة إستكمال الإمكانات الكاملة و الإستيلاء الشامل على مقاليد الحكم.
نجحت عملية إغتيال السادات و فشلت العمليات الأخرى التى كان مقررا لها أن تتم بالمواكبة معها و كذا التى كان مقررا لها أن تتبعها, وتساقط أعضاء و قادة التنظيم المسلح ، الواحد تلو الأخر و كان سهلا على الأمن أن يجهز على التنظيم في أسابيع محدودة بمجرد أن أمسك بطرف أول خيط بسبب الضعف الشديد في الإجراءات الأمنية لدى التنظيم.
و لم يكن قادة الجماعة الإسلامية الهاربين بالصعيد على علم بالهزائم التى يلقاها حلفاؤهم من قادة الجهاد فى القاهرة و سائر محافظات مصر خارج الصعيد بسبب إنقطاع الإتصال بين حلقة وصلهم (أسامة حافظ) و بين قادة الجهاد بمصر, و من ثم أصاب صقورهم (كرم زهدى و على الشريف) نوبة من الحماس الشديد إثر سماعهم بخبر نجاح عملية إغتيال السادات من وسائل الإعلام, و مارس كرم زهدى وعلى الشريف إرهابا فكريا و كلاميا على بقية أعضاء مجلس الشورى حتى أرغماهم على الموافقة على القيام بأحداث أسيوط المشهورة في فجر أول أيام عيد الأضحى حيث هاجموا مديرية أمن أسيوط و مراكز الشرطة و فرق الأمن (الأمن الداخلى) وإنهارت منظومة الشرطة مما دعى لتدخل قوات المظلات و الكوماندوز التابعين للجيش و تخليص المدينة من سيطرة الجماعة الإسلامية و القبض على قادة و أعضاء الجماعة الإسلامية خلال ثلاثة أيام من الصدام المسلح.
و لم يعلم عبود الزمر و قادة الجهاد بأمر أحداث أسيوط إلا من إذاعة مونت كارلو.
و هكذا إجتمع جميع قادة الجهاد و الجماعة الإسلامية مرة أخرى لكن كان مقر الإجتماع هذه المرة في السجن, و كان معهم معظم أعضاء الجماعتين.
في بداية مرحلة السجن كان الجميع من أعضاء و قادة الجماعة الاسلامية و الجهاد مشغولين بالتحقيقات و المحاكمات لكنهم بعد مرور عدة شهور عليهم في السجن تم نقل مقدم المخابرات الحربية السابق عبود الزمر و رائد المدرعات السابق عصام القمري من السجن الحربي إلى سجن ليمان طرة حيث كان يقبع عدد من قادة كل الجماعة الاسلامية و الجهاد, و لم يكن يدور في خلد أحد منهم حينئذ أي تصور مستقبلي لعمل جماعي داخل أو خارج السجن كما لم يسع أي منهم حتى ذلك الوقت للقيام بأي عمل تنظيمي داخل السجن.
و كانت حالة قادة الجهاد و الجماعة الاسلامية حينئذ مختلفة عن حالة كل من عبود الزمر و عصام القمري, فالأخيران قد تورطا و هما في السجن الحربي في تدبير محاولة للهروب من السجن و القيام بانقلاب عسكري يعقب هروبهما من السجن, و قد اتصلا لهذا الغرض بمجموعة من قادة الجهاد و الجماعة الاسلامية الهاربين كانوا قد نظموا أنفسهم بمساعدة عبود الزمر و عصام القمري, و كان على رأس هذا التنظيم الهارب عديدون من أشهرهم رفاعي طه و منتصر الزيات و صلاح عبد القادر و مجدي سالم و عادل عبد المجيد و هاني السباعي وغيرهم.
و عندما تم نقل عبود و القمري إلى سجن ليمان طرة سعى الاثنان إلى دمج وتوحيد تنظيم قادة الجماعة الاسلامية و الجهاد في جماعة واحدة تحت ذريعة الاعداد لمواجهة المحاكمة التي عرفت إعلاميا في ذلك الوقت باسم محاكمة الجهاد الكبرى و التي كان من المزمع أن يقدم لها 302 من القادة و الأعضاء النشيطين في كل من تنظيمي الجهاد و الجماعة الاسلامية.
و تكون مجلس شورى لقيادة الكيان الذي أريد له أن يجمع تنظيم الجهاد (جماعة محمد عبد السلام و جماعة أيمن الظواهري و جماعة سالم الرحال) بالاضافة للجماعة الاسلامية, و كان مجلس الشورى مكونا من كل من أيمن الظواهري و طارق الزمر و ناجح ابراهيم و عصام دربالة أعضاء و عبود الزمر رئيسا, كما كانت هناك لجان نوعية انتظم فيها العديد من القادة الآخرين من سائر المجموعات, و عندما استقال عبود الزمر من رئاسة مجلس الشورى لبعض الوقت خلفه في رئاسة المجلس عصام القمري, لكن الجماعة الاسلامية طالبت بإلحاح برجوع عبود في رئاسة المجلس بعد فترة وجيزة, و قد تم ذلك.
و حدثت خلافات كثيرة بين كل منظمات الجهاد من جهة و بين قادة الجماعة الاسلامية من جهة اخرى, و رغم أن هذه الخلافات قد اتخذت العديد من المظاهر إلا أن جوهرها الحقيقي كان صراعا على قيادة الكيان الجديد الذي ضم كل الجهاديين و الجماعة الاسلامية في كل السجون تقريبا, إذ كان قادة الجماعة الاسلامية و هم مجلس الشورى الخاص بالجماعة الاسلامية و الذي كان مكونا من 12 عضوا (وكلهم كانوا وقتها من طلبة جامعة أسيوط عدا كرم زهدي الذي كان وقتها طالبا بمعهد التعاون الزراعي و قيل أنه كان مفصولا من المعهد في ذلك الوقت) يسعون للسيطرة على قيادة الجماعة الجديدة التي كان الجميع يظن أنها ستكون ذات دور بارز في العمل الاسلامي بعد خروج عدد من القادة من السجن إثر انتهاء المحاكمات.
و كان قادة منظمات الجهاد المختلفة يرون أنفسهم أنهم ذوي خبرات مختلفة فعبود الزمر و عصام القمري كانا ضابطين سابقين و مرموقين في الجيش بالنسبة لأبناء جيلهما كما كان أيمن الظواهري و العديد من قادة الجهاد قد أتموا دراساتهم الجامعية و لهم خبرات تنظيمية جيدة و عديدة تختلف عن الحال الذي كان عليه قادة الجماعة الاسلامية, و لذلك فقد قال عصام القمري ذات مرة "إن قادة الجماعة الاسلامية كلهم طلبة و كلهم رأيهم واحد فليس لديهم أي تنوع في الأراء فلماذا يتعين علينا أن نجلس معهم جميعا و نستمع لهم جميعا, يكفي ان يأتينا واحد منهم برأيهم جميعا و خلاص", و لكن قادة الجماعة الاسلامية كانوا يتشبسون بالتحرك وحضور أي لقاءات مجتمعين بكل عددهم لإعتبارهم أن ذلك يمثل ضغطا على الآخرين, كما كانوا يصدرون النصائح و التوصيات باسم الدكتور عمر عبدالرحمن الذين كانوا قد ضمنوا ولائه الكامل لهم و عدم خروجه عن رأيهم أبدا بينما هو واجهة جيدة دينيا و إجتماعيا بصفته عالم دين محترم في مواجهة قادة الجهاد ذوي الخبرات التي لن يختلف على أنها أعلى منهم كمجرد طلبة في ذلك الوقت, و نظرا لنجاح قادة الجماعة الاسلامية في استخدام الدكتور عمر عبد الرحمن بهذه الطريقة, فقد تفجرت قضية أنه لا ولاية لضرير و التي فجرها في بداية الأمر ، عصام القمري و تبعه جميع أعضاء و قادة الجهاد بعد ذلك, و لم تكن ما يسمى بولاية الأسير التي أثارتها مجلة روزاليوسف فيما بعد ذلك بسنوات مثارة بأي شكل من الأشكال لأن الجهاد كان من قواعدهم أنه لا ولاية لا لأسير و لا لضرير, بينما كانت الجماعة الاسلامية تؤيد الأمرين بلا أي جدل فقادة الجماعة الاسلامية في السجن كان لهم القول الفصل في كل شئ يخص الجماعة الاسلامية خارج السجن بل و خارج مصر أيضا, كما كان الدكتورعمر عبدالرحمن هو أمير الجماعة الاسلامية المعلن بغض النظر عن حقيقة الصلاحيات التنظيمية التي كان يمتلكها في حقيقة الأمر.
و على كل فقد افترقت السبل بكل من الجماعة الاسلامية و الجهاد منذئذ, و خرج من السجن ثلاث جماعات جهادية منفصلة, الأولى الجماعة الاسلامية المعروفة بقيادة حقيقية لمجلس الشورى المكون من 12 عضوا و الذين يطلق على من تبقى منهم حتى الآن القادة التاريخيون للجماعة الاسلامية و هم الذين قادوا مبادرة وقف العنف و سوف يأتي تفصيل عن هذه الجماعة في الصفحات التالية .
و الجماعة الثانية التي تمخضت عن هذه الخلافات هي جماعة عبود الزمر و التي قادها بعد الخروج من السجن مجدي سالم و أحمد النجار و عادل السوداني و أحمد سلامة مبروك و آخرون.
و الجماعة الثالثة هي جماعة أيمن الظواهري .
و قد توحدت جماعة عبود الزمر و أيمن الظواهري في أواخرعام 1988م و تشكلت قيادتها في بيشاور من أيمن الظواهري و أحمد سلامة و الرائد عبدالعزيز الجمل و محمد الظواهري و عادل عبد القدوس وغيرهم و كان الأمير العام حينئذ الدكتور سيد إمام الشريف و صار اسم هذه الجماعة الجديدة "جماعة الجهاد الاسلامي" و اشتهرت في خارج مصر باسم "الجهاد المصري", بالاضافة لذلك فقد انفصل عبود الزمر و طارق الزمر و العديد من قادة الجهاد الذين معه في السجن عام 1991م عن جماعة الجهاد هذه و انضموا للجماعة الاسلامية في السجن.
و خاضت "جماعة الجهاد الاسلامي" عدة عمليات مسلحة ضد رموز للسلطة كما حاولت ارتكاب مزيد من هذه العمليات و فشلت , و تعرضت لضربات أمنية قاسية في داخل و خارج مصر مما استدعاها لإصدار قرار بوقف جميع عملياتها المسلحة داخل مصر عام 1995م, و لم تقم بأي عملية منذئذ حتى اشتركت مع منظمة القاعدة في عمليتي نسف السفارتين الأمريكيتين في كينيا و تنزانيا ردا على عملية خطف المخابرات الأمريكية لعدد من قادة و عناصر جماعة الجهاد و كان أشهر المخطوفين من قادة الجهاد قبل قصف السفارتين أحمد النجار عضو مجلس شورى الجهاد و مسئول التنظيم المدني به.
مراجعات الجهاد
و ابتداءا من 1999م بدأ العديد من قادة جماعة الجهاد المصرية في السجون المصرية ما سمي بمراجعات الجهاد, و التي قادها أخيرا الدكتور سيد إمام الشريف و الذي ألف كتابين لهذا الغرض, الأول "وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر و العالم", و تهدف لإقناع قادة و أعضاء الجهاد بالمبررات الشرعية لوقف العمليات المسلحة في مصر و العالم و الكف عن السعي لقلب النظم الحاكمة في العالم الاسلامي, و قد ألف الدكتور أيمن الظواهري كتابا رد فيه على وثيقة الدكتور سيد إمام الشريف فعاد سيد إمام و ألف كتابا رد فيه على كتاب الظواهري, و ما زالت مراجعات الجهاد تتفاعل بين مؤيد و معارض من قادة التنظيم و أعضائه حتى الآن في داخل مصر و خارجها, و من المتوقع أن يمثل هذا مخاضا لتغيرات هيكلية فكرية في قلب تنظيم الجهاد داخل و خارج مصر.
لكن سرعان ماظهرت تنظيمات عديدة جديدة تتبنى فكر جماعة الجهاد أو القاعدة بمعزل عن قادة الجهاد القدامى مما شكل تحديا خطيرا للأجهزة الأمنية, حيث كان ارتباط الأجيال الجديدة من الجهاديين بالقادة القدامى يمثل خيطا مهما لأجهزة الأمن لكشف المجموعات الجهادية الجديدة, لكن ظهور منظمات و مجموعات جديدة كلها ليس لها أي ملفات لدى أجهزة الأمن ساعد على مفاجأة الأجهزة الأمنية في عمليات تفجيرات طابا (2004م) و شرم الشيخ (2005م) و دهب و الأزهر و ميدان عبدالمنعم رياض (ثلاثتها في 2006م), صحيح أنه تم تصفية هذه المجموعات و لكن بعدما نفذوا عملياتهم, كما أن أجهزة الأمن راحت تكتشف من حين لأخر وجود مجموعات جهادية صغيرة إما تحمل فكر "جماعة الجهاد المصرية" أو فكر "قاعدة الجهاد" بقيادة أسامة بن لادن.
الفرق بين جماعة الجهاد و الجماعات الإسلامية الأخرى:
و لكن ما هي رؤية جماعة الجهاد الاسلامية المصرية لوسيلة التغيير و أولوياته و ما الفرق بينها و بين الجماعات الإسلامية الأخرى؟؟ تتلخص رؤية جماعة الجهاد للواقع بصفة عامة في أن ضعف المسلمين و تخلفهم يرجع للبعد عن الإسلام بالمفهوم الذي تراه الجماعات السابقة و هنا جماعة الجهاد لا تختلف عن أي منها و لكن يأتي الخلاف في استراتيجية التغيير التي تبنتها جماعة الجهاد والوسائل التي اتبعتها في ذلك و ذلك كله انطلاقا من تصورها عن الواقع السياسي الإسلامي المعاصر.
لقد تصورت جماعة الجهاد الواقع السياسي الإسلامي في إطار الحديث الصحيح المشهور و الذي تفهم كل الحركات الإسلامية من خلاله ماضي الأمة الإسلامية و حاضرها و مستقبلها و الذي يقول فيه النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) "تكون النبوة فيكم ما شاء الله لها أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون فيكم ما شاء الله لها أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء الله أن يرفعها ثم يكوم ملكا عضوضا فيكون فيكم ما شاء الله له أن يكون ثم يرفعه الله إذا شاء أن يرفعه ثم يكون ملكا جبريا فيكون فيكم ما شاء الله له أن يكون ثم يرفعه الله إذا شاء أن يرفعه ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت", فجميع الحركات الإسلامية ترى أن النبوة المذكورة في الحديث هي عصر حكم النبي للمسلمين بينما الخلافة على منهاج النبوة تبدأ بعصر أبي بكر الصديق و تنتهي بيوم تنازل الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان و أنه من معاوية و حتى بداية العصر العباسي الثاني هو الملك العضوض أي الظالم و أما المرحلة الحالية فهي مرحلة الملك الجبري, أي ما نسميه بلغة العصر أنظمة الحكم العسكرية التي تحصل على الحكم عبر الإنقلاب العسكري.
إلى هنا تتفق كل فصائل الحركة الإسلامية الحديثة تقريبا على هذا التوصيف بل و تتفق معها كثير من فصائل الحركة الإسلامية التقليدية على نفس التوصيف, و لكن كل هذه الفصائل تنحصر خلافاتها و تمايزاتها في كيفية التعامل مع هذا الواقع.
فالجهاد يرى أنه مادامت حكومات العالم الإسلامي قد إغتصبت الحكم بالإنقلاب العسكري رغما عن الشعوب و بمساندة و مباركة من الإستعمار الغربي فإنه يحق للمسلمين أن يستردوا حقهم المغتصب بالقوة المسلحة, و رأى الجهاديون المصريون أن الإستيلاء على الحكم في العالم الإسلامي أولى من قتال الغرب رغم كل الظلم الذي يظلمه الغرب للمسلمين و قد اعتمدوا في ذلك على القول بأن أنظمة الحكم في العالم الإسلامي هي عدو قريب بينما الغرب هو عدو بعيد و استدلوا على أولوية قتال العدو القريب بقوله تعالى "يأيها الذين أمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة" و معنى"يلونكم" أي الأقرب لكم.
العدو القريب و العدو البعيد:
و تظهر قيادة الدكتور صالح سرية (و هو فلسطيني) لمحاولة انقلابية قام بها تنظيم الجهاد المصري عام 1974م في مصر مدى إيمان جماعة الجهاد المصرية بتقديم ما يسمونه بالعدو القريب على أى عدو أخر بما في ذلك اسرائيل فصالح سرية فلسطيني و مع ذلك قام بنشاطه الجهادي ضد حاكم عربي و ليس ضد الصهاينة في فلسطين المحتلة, و لاتقتصر دلالة حركة صالح سرية على ذلك فقط بل فيها دلالة أخرى هامة جدا تبرز مدى اهتمام تنظيم الجهاد بمصر فصالح سرية فلسطيني و عاش فترة طويلة في عدد من الدول العربية المختلفة على رأسها العراق و الأردن و مع ذلك ركز محاولته التغيرية على مصر بالذات.
مصر في الفكر الجهادي:
و في الواقع فإن تنظيم الجهاد المصري و العديد من الجهادين الإسلامين حول العالم ظلوا إلى وقت قريب يرون أنه يجب التركيز على الإستيلاء على الحكم في مصر لتكون القاعدة والمنطلق الذي تنطلق منه عملية التغيير الإسلامي إلى جميع أنحاء العالم الإسلامي لما لمصر (في رأيهم) من تاريخ و مكانة و إمكانيات و موقع جغرافي هام, و قد ساقوا أدلتهم على هذا الطرح في العديد من أدبياتهم السياسية مثل كتاب "فلسفة المواجهة" لطارق الزمر.
و إذا كان تنظيم الجهاد المصري قد اعتمد استراتيجية التغيير بالقوة المسلحة فإنه اتخذ من الإنقلاب العسكري وسيلة وحيدة لتنفيذ هذه الإسترتيجية حتى عام 1980م عندما أدخل عبود الزمر فكرة أن الانقلاب عسكري لابد أن تصحبه تحركات شعبية مؤيدة له, و ظلت هذه هي وسيلة الجهاد المعتمدة للتغيير إلى أن تشرذم التنظيم و ضعف بعد انضمام كثير من قادته الكبار للقاعدة عام 1999م, كما تم قتل القادة الكبار الآخرين الذين رفضوا الإنضمام للقاعدة و أصروا على بقاء تنظيم الجهاد على استراتيجيته القديمة بعيدا عن استراتيجية القاعدة مثل نصر فهمي و طارق أنور و غيرهما, و كان مقتل هؤلاء في القصف الأمريكي لأفغانستان خاصة قصف قندهار و كابول.
الهجمات المسلحة المحدودة و موقعها من استراتيجية الجهاد:
رغم أن الجهاد يختزل فكرته كلها عن التغيير في الإنقلاب العسكري إلا أنهم وضعوا في استراتيجيتهم ما أطلقوا عليه العمليات الخاصة و هي (حسب وجهة نظرهم) عمليات مسلحة محدودة ضد رموز الحكومة و جهاز الأمن بهدف الضغط على الحكومة بغرض وقف تعذيب المعتقلين أو الإفراج عنهم ونحو ذلك و من هذا المنطلق نفذوا محاولات اغتيال رئيس الوزراء الأسبق عاطف صدقي ووزير الداخلية الأسبق حسن الألفي و نحوهما من العمليات.
الفرق بين القاعدة و الجهاد المصري:
وهناك فرق بين الجهاد المصري و القاعدة رغم أن كوادر الجهاد كانوا هم الركيزة الأساسية في تأسيس و إدارة القاعدة, فالقاعدة تبنت منذ 1998م استراتيجية محاربة الولايات المتحدة وحلفائها عبر ضرب مصالحهم في أي مكان في العالم بهدف إضعاف قدرتها و نفوذها في المنطقة الأمر الذي سيمنعها (حسب رأيهم) من مساندة حكام العالم الإسلامي الذين نجحوا في التغلب على محاولات الجهاديين في الحصول على الحكم بسبب المساندة الأمريكية, كما أن القاعدة بجانب ذلك تهدف بهذه العمليات لكسب تأييد الجماهير في العالم الإسلامي لدعم خط القاعدة و محاولاتها المستقبلية للحصول على الحكم.
و قد شرح هذه الإستراتيجية كثيرا أيمن الظواهري في مناسبات شتى, لكن في حقيقة الأمر فمبتكر هذه الإستراتيجية الأصلي هو أبرز المفكرين الإستراتيجيين في القاعدة أبو مصعب السوري, لكن الظواهري تلقاها منه و اقتنع بها بعدما نجحت السي أي إيه في معاونة الأجهزة المصرية في توجيه ضربات موجعة إلى جماعة الجهاد المصرية, و قام الظواهري باقناع أسامة بن لادن بها, و من ثم نشأ سلوك القاعدة المسلح الذي يستهدف العدو البعيد قبل العدو القريب خلافا لرأي جماعة الجهاد المصرية .
ومن أبرز العمليات المسلحة التي قام بها تنظيم الجهاد في مصر هي:
لقد أدت الطريقة التى سلكها محمد عبدالسلام إلى خروج تنظيم الجهاد من حيز الكم العددى المحدود إلى حيز الأعداد الكبيرة نسبيا و ذلك على حساب الكيف, و كان من المتوقع وقتها أن يكون ذلك على حساب الأمن لكن الحالة السياسية و الأمنية السائدة في مصر آنذاك ساعدت على إستمرار التنظيم آمنا و نشيطا حتى أغسطس 1981م.
كانت تكتيكات محمد عبدالسلام أشبه بنشاط تنظيم علنى يسعى للإنقلاب على نظام الرئيس السادات عبر وحدات من الجيش المصرى و وحدات شبه عسكرية سعى لتكوينها من مدنيين من أعضاء التنظيم, و نجح فى تكوين و تدريب بعض الوحدات المدنية كما نجح في ضم عدد من ضباط الجيش للتنظيم كان أشهرهم مقدم المخابرات الحربية عبود الزمر, و الملازم أول خالد الإسلامبولى, والملازم أول إحتياط مهندس عطا طايل, و المقدم ممدوح أبوجبل, و غيرهم.
كان تنظيم محمد عبدالسلام يتذرع بالسرية ظاهريا لكن التطبيقات العملية لمعظم قادة و أعضاء التنظيم كانت أقرب ما تكون للعلنية ليس إنطلاقا من مبادئ تنظيمية بقدر ما كان تعبيرا عن العشوائية و الإهمال, لكن ضعف الأجهزة الأمنية حينذاك كان السبب الرئيس لعدم إنكشاف التنظيم.
كان محمد عبدالسلام متعجلا بشدة للقيام بالتحرك الإنقلابى ضد حكومة السادات العلمانية, و فاقه في هذا التعجل نبيل المغربى الذى كان لديه مجموعة مدربة تدريبا شبه عسكرى كما كان نبيل المغربى نفسه ضابط إحتياط سابق بالمخابرات الحربية, و كان قد وضع برنامجا مكثفا ومبسطا و قصيرا لتدريب المدنين على عدد من الأعمال العسكرية التى رأى أنها كافية لتحقيق أهدافه.
و قد أدت حرفية عبود الزمر العسكرية لتعزيز نزعة التعجل (و يصفها البعض بالتهور) لدى محمد عبدالسلام, لأن العسكرى عادة ما يقول للسياسى أعطنى الإمكانات و أنا أنفذ, و هذا ما حدث من عبود عندما وضع خطة القيام بإنقلاب عسكرى يدعمه مدنيون مدربون عسكريا.
لقد طلب من محمد عبدالسلام و سائر القادة توفيرعدد حدده بدقة ليدربه عسكريا وفق برنامج تدريبى محدد, بجانب توفير كميات و أنواع السلاح والذخائر و الوسائل المختلفة اللازمة و التى حددها أيضا, لقد صار الأمر أكثر حسما لدى محمد عبدالسلام بعدما أيد تعجله رجل عسكرى بحجم عبود الزمر حتى لو كان هذا التعجل بشروط, وصار لهذا التعجل مبرراته الموضوعية, وصارت المشكلة مختزلة في توفير الإمكانات العسكرية فقط و التى هى في التحليل الأخير مال و رجال, و من ثم سعى محمد لإيجاد حلول سريعة لمشكلة ضعف الإمكانات.
ولم ترضه معدلات التجنيد التى تجرى عبر تكتيكات إما علنية أو شبه علنية رغم إرتفاع هذه المعدلات جدا بالقياس لما كان عليه التنظيم أيام مصطفى يسرى و من قبله, و من ثم سعى لتكتيك جديد يقوم على تجنيد قادة مجموعات كبيرة نسبيا بحيث يمثل تجنيدهم تجنيدا لسائر مجموعتهم, و في هذا الإطار تعرف على مجموعات عدة و قام بضمها, بعضها كان من المجموعات المتبقية من تنظيم الجهاد المحلول وبعضها كان على فكر أخر لكن قام محمد بإقناعهم بفكر الجهاد و جندهم له.
ومن أمثلة المجموعات الجهادية القديمة التى تم دمجها أو التنسيق معها مجموعة أحمد هانى الحناوى و جماعة محمد سالم الرحال التى كان يقودها آنذاك كمال السعيد حبيب و مجموعة بالشرقية (مركز منيا القمح) كان يقودها أنور عكاشة, و جماعة أيمن الظواهرى, وغيرهم.
كانت جماعة محمد سالم الرحال من أكبر المجموعات لأن الرحال سعى لتجميع معظم المجموعات المتبقية من تنظيم الجهاد القديم بعد حله, و لكنه سرعان ما تم ترحيله من مصر (كان فلسطينى يحمل الجنسية الأردنية) فترك قيادة التنظيم لكمال السعيد حبيب, الذى وافق فيما بعد على تنسيق واسع النطاق مع تنظيم محمد عبدالسلام و كان هذا التنسيق يقترب من حد الإندماج الكامل.
أما جماعة أيمن الظواهرى فكانت تركز على تحصيل الإمكانات المادية كالمال والسلاح و البيوت (لإستعمالها كقواعد للتنظيم أو مخازن للسلاح) أكثر من التركيز على الأفراد, بإعتبار أن تجنيد الأفراد هى مرحلة تالية لمرحلة إستكمال الإمكانات المادية, و قد تم الإتفاق على الإندماج بين المجموعتين عبر طارق الزمر مندوبا عن محمد عبدالسلام و الدكتور أمين الدميرى مندوبا عن أيمن الظواهرى.
أما أبرز المجموعات التى لم تكن على فكر الجهاد و إستقطبها محمد عبدالسلام لفكر الجهاد فهى مجموعة الصعيد و التى عرفت باسم الجماعة الإسلامية, وقصتها مشهورة حيث كان الخناق الأمنى قد تم تضييقه على الجماعة الإسلامية بجامعة أسيوط بعدما سلكت سلوكا عنيفا يما عرف في أدبياتهم فيما بعد بتغيير المنكرات باليد كتكسير البارات و منع الإختلاط بين الجنسين بالقوة, و كان قادة هذه الجماعة قد تمردوا منذ عام 1979م على نصائح قادة الإخوان المسلمين كالأستاذ عمر التلمسانى و الدكتور محمد حبيب و قرروا الإستمرار في سلوكهم السياسي الخاص بهم, و أثناء هذا التضييق الأمنى هرب منهم من هرب و كان من الهاربين كرم زهدى أحد أبرز عناصر مجموعة من 12 شخصا كانت تقود عمل الجماعة بالجامعة و كانت تسمت باسم مجلس الشورى, و لم يجد كرم مكانا للهرب و الإختباء من الأمن حينئذ سوى غرفات المدينة الجامعية بجامعة القاهرة, حيث كان الوضع الأمنى هادئا نظرا لسيطرة السلفيين و الإخوان على الحركة الطلابية بالقاهرة حينئذ.
و علم محمد عبدالسلام بخبر وجود كرم فقابله عبر عضو تنظيم الجهاد شعبان عبداللطيف الذى كان قد أعطى محمد عبدالسلام تقريرا شفهيا بشأن كرم و مجموعته وكان شعبان قد توثقت علاقته بكرم في المدينة الجامعية بالجيزة, و إستطاع محمد عبدالسلام أن يقنع كرم بفكرالجهاد, وتحمس كرم للإنضمام للتنظيم لكنه تريث حتى يرجع لبقية زملائه في مجلس شورى الجماعة الإسلامية بجامعة أسيوط, و رجع لهم كرم و جاءوا لمقابلة محمد و إقتنعوا كلهم بشكل أو بأخر بالفكر الجديد و أصبحوا جزءا من منظومة محمد عبد السلام.
و كان طموح محمد عبدالسلام واسعا بشأن سرعة التمكن من تنفيذ إنقلابه المأمول لذلك لم يكتف بهذه المعدلات المتسارعة من التوسع فى التجنيد أو الإندماج أو التنسيق بل سعى لإقناع جماعات و قادة من إتجاهات فكرية رافضة لفكر تنظيم الجهاد أصلا كالإخوان المسلمين و السلفين, فكانت الدعوة لعدد من قادة هذه الإتجاهات لحضور إجتماع في بني سويف تحت شعار التخطيط و التنسيق لمحاربة فكر جماعات التكفير في مصر, و كان هذا الشعار مجرد ساتر أمنى للتغطية على الهدف الحقيقى للإجتماع.
تولى الدعوة للإجتماع محمد سعد من قادة العمل الاسلامي السلفي في بنى سويف و ذلك بإيعاز من محمد عبدالسلام, و استضاف محمد سعد الإجتماع في مسكن أحد أتباعه في بنى سويف, و كان الغرض الحقيقى للإجتماع أن يعرض محمد عبدالسلام تصوره لإقامة الدولة الإسلامية عبر الإنقلاب العسكرى ويطلب من الحاضرين تأييد هذا التصور و دعمه بالمال و الرجال, و قد دعى محمد سعد لهذا الإجتماع قادة من السلفيين منهم محمد مصطفى الدبيسى و محمد أحمد إسماعيل المقدم و غيرهما كما دعى أسامة عبدالعظيم و لم يحضر, كما دعى بعضا من قادة الإخوان فحضر بعضهم, كما حضر عدد من قادة الجهاد على رأسهم محمد عبدالسلام و الدكتور عمر عبدالرحمن, و كان محمد سعد بمثابة شاهد و وسيط لأنه لم يكن حينئذ عضوا في تنظيم الجهاد حسب إحدى الروايات.
و رفض بعض الحاضرين ما طرحه محمد عبدالسلام وكان على رأس الرافضين قادة الإخوان المسلمين, كما تريث بعض السلفيين و طلبوا فتوى مباشرة و محددة بشأن هذا التصور من عدد من العلماء حددوهم حينئذ و كان من ضمن العلماء الذين حددوهم طالبين فتاوى منهم بالموافقة على هذا التصور الشيخ محمد ناصر الدين الألبانى و الشيخ عبدالعزيز بن باز.
و هكذا سعى محمد عبدالسلام بكل دأب للإسراع بالإطاحة بالرئيس السادات و إقامة دولة إسلامية وفق تصوره و يمكن تصور حجم نشاط محمد عبدالسلام إذا علمنا أن النتيجة كانت إرتباط كل المجموعات الجهادية التى كانت موجودة بمصر حينئذ بتنظيم محمد عبدالسلام برابطة ما, إما التنسيق أو التعاون أو الإندماج أو التعاهد على الإندماج و نحو ذلك من الإتفاقات.
لكن الأيام جرت بما لم يكن يتوقعه محمد عبدالسلام نفسه, فسرعان ما دبت الخلافات بينه وبين الجماعة الإسلامية, فتحولت العلاقة من إندماج كامل إلى تعاون ومعاهدة على الإندماج عندما يحين وقت القيام بالإنقلاب.
و لم يكد محمد عبدالسلام يفيق من هذه الخلافات حتى باغتته قرارت 5 سبتمبر1981م و كان محمد نفسه مطلوبا للإعتقال فيها لكنه نجح في الهروب من أجهزة الأمن, و في نفس الوقت كانت قوائم الإعتقال تتضمن أغلب أعضاء مجلس شورى الجماعة الإسلامية لكنهم هربوا ولم يعتقل منهم سوى طلعت فؤاد قاسم.
توجه عدد كبير من مجلس شورى الجماعة الإسلامية إلى القاهرة وسعوا لمقابلة محمد عبدالسلام و أركان قيادته, و في الإجتماع ألح قادة الجماعة الإسلامية على أهمية أن يتحرك تنظيم الجهاد بسرعة و يباشر القتال ما دام السادات بدأ بضرب الحركة الإسلامية عبر قرارات التحفظ (إشتهرت فيما بعد بقرارات 5 سبتمبر1981م) وحذروا تنظيم الجهاد من أن يقع فيما وقع فيه الإخوان المسلمون عندما ترددوا في إستخدام القوة ضد عبدالناصر مما أفسح المجال لعبدالناصر للبطش بهم, و في الواقع أن هذه الفكرة كانت الفكرة السائدة لدى تيار الجهاد و كان محمد عبد السلام نفسه هو الذى رددها كثيرا من قبل على أسماع قادة الجماعة الإسلامية, فحينئذ لم يكن أحد من الجهاد ينتقد الإخوان في شئ ذى بال غير هذا.
و كان محمد عبد السلام غائبا عن هذا الإجتماع لأسباب أمنية لكن حضره عبود و طارق الزمر و صالح جاهين و غيرهم من أركان القيادة لدى محمد عبدالسلام, و قد وعد الجهاديون قادة الجماعة الإسلامية خيرا لكن أرجأوا القرار النهائى لوقت لاحق و إن كانوا أشاروا لملامح القرار التى تلخصت في شن حملة إغتيالات واسعة النطاق لرؤس الحكم في البلاد تشمل فيما تشمل السادات نفسه, و تقرر في الإجتماع أن يقيم أسامة حافظ بالقاهرة ليكون حلقة الوصل بين الجهاد و الجماعة الإسلامية التى كان قادتها يعيشون هاربين في الصعيد, و إنفض الإجتماع على ذلك في مساء 25 سبتمبر 1981م.
في نفس الوقت الذى عقد فيه الإجتماع بمقر تابع لصالح جاهين بقرية صفط اللبن بمحافظة الجيزة داهمت ثلاث حملات من قوات الأمن ثلاث مقرات هامة لتنظيم الجهاد بالجيزة أحدها كان المقر المقرر لعقد الإجتماع المذكور و الثانى منزل عبود الزمر نفسه و ذلك بالمخالفة للقانون الذى يمنع تفتيش أى شئ تابع لضابط المخابرات الحربية إلا بواسطة المخابرت الحربية نفسها, و كان خبر إنطلاق الحملات قد وصل لتنظيم الجهاد قبيل إنطلاقها بخمس دقائق فاكتفوا بتغيير مكان الإجتماع و تشديد إجراءات التأمين له, مما ضيع على الأمن فرصة صيد ثمين وسهل كان الحصول عليه سيغير مجرى التاريخ في مصر.
و بعد الإجتماع علم قادة الجهاد بإنكشاف أمر التنظيم للأمن فجرت عملية إنتشار واسعة (هروب منظم) مما قطع صلتهم بأسامة حافظ و من ثم بمجموعة الجماعة الإسلامية برمتها.
و خلال أيام قرر محمد عبد السلام إغتيال السادات عبر عدد من ضباط الجيش التابعين له و استقر الأمر على قيام خالد الإسلامبولى بها على الوجه المشهور والمعروف عن العملية, و فى البداية عارض عبود و عدد من قادة الجهاد (على رأسهم المهندس أحمد سلامة مبروك) العملية لكن محمد عبدالسلام الرجل الأقوى في التنظيم قرر المضى في العملية فتمت.
كانت معارضة عبود لأسباب تكتيكية أما معارضة أحمد سلامة فكانت لأسباب إستراتيجية, حيث كان يرى عدم الصدام مطلقا مع الحكومة في هذه المرحلة و كان يصر على تهريب جميع قادة وعناصر التنظيم الذين تم كشفهم ، خارج البلاد بينما يكمل الباقون العمل بهدوء دون صدام لحين لحظة إستكمال الإمكانات الكاملة و الإستيلاء الشامل على مقاليد الحكم.
نجحت عملية إغتيال السادات و فشلت العمليات الأخرى التى كان مقررا لها أن تتم بالمواكبة معها و كذا التى كان مقررا لها أن تتبعها, وتساقط أعضاء و قادة التنظيم المسلح ، الواحد تلو الأخر و كان سهلا على الأمن أن يجهز على التنظيم في أسابيع محدودة بمجرد أن أمسك بطرف أول خيط بسبب الضعف الشديد في الإجراءات الأمنية لدى التنظيم.
و لم يكن قادة الجماعة الإسلامية الهاربين بالصعيد على علم بالهزائم التى يلقاها حلفاؤهم من قادة الجهاد فى القاهرة و سائر محافظات مصر خارج الصعيد بسبب إنقطاع الإتصال بين حلقة وصلهم (أسامة حافظ) و بين قادة الجهاد بمصر, و من ثم أصاب صقورهم (كرم زهدى و على الشريف) نوبة من الحماس الشديد إثر سماعهم بخبر نجاح عملية إغتيال السادات من وسائل الإعلام, و مارس كرم زهدى وعلى الشريف إرهابا فكريا و كلاميا على بقية أعضاء مجلس الشورى حتى أرغماهم على الموافقة على القيام بأحداث أسيوط المشهورة في فجر أول أيام عيد الأضحى حيث هاجموا مديرية أمن أسيوط و مراكز الشرطة و فرق الأمن (الأمن الداخلى) وإنهارت منظومة الشرطة مما دعى لتدخل قوات المظلات و الكوماندوز التابعين للجيش و تخليص المدينة من سيطرة الجماعة الإسلامية و القبض على قادة و أعضاء الجماعة الإسلامية خلال ثلاثة أيام من الصدام المسلح.
و لم يعلم عبود الزمر و قادة الجهاد بأمر أحداث أسيوط إلا من إذاعة مونت كارلو.
و هكذا إجتمع جميع قادة الجهاد و الجماعة الإسلامية مرة أخرى لكن كان مقر الإجتماع هذه المرة في السجن, و كان معهم معظم أعضاء الجماعتين.
في بداية مرحلة السجن كان الجميع من أعضاء و قادة الجماعة الاسلامية و الجهاد مشغولين بالتحقيقات و المحاكمات لكنهم بعد مرور عدة شهور عليهم في السجن تم نقل مقدم المخابرات الحربية السابق عبود الزمر و رائد المدرعات السابق عصام القمري من السجن الحربي إلى سجن ليمان طرة حيث كان يقبع عدد من قادة كل الجماعة الاسلامية و الجهاد, و لم يكن يدور في خلد أحد منهم حينئذ أي تصور مستقبلي لعمل جماعي داخل أو خارج السجن كما لم يسع أي منهم حتى ذلك الوقت للقيام بأي عمل تنظيمي داخل السجن.
و كانت حالة قادة الجهاد و الجماعة الاسلامية حينئذ مختلفة عن حالة كل من عبود الزمر و عصام القمري, فالأخيران قد تورطا و هما في السجن الحربي في تدبير محاولة للهروب من السجن و القيام بانقلاب عسكري يعقب هروبهما من السجن, و قد اتصلا لهذا الغرض بمجموعة من قادة الجهاد و الجماعة الاسلامية الهاربين كانوا قد نظموا أنفسهم بمساعدة عبود الزمر و عصام القمري, و كان على رأس هذا التنظيم الهارب عديدون من أشهرهم رفاعي طه و منتصر الزيات و صلاح عبد القادر و مجدي سالم و عادل عبد المجيد و هاني السباعي وغيرهم.
و عندما تم نقل عبود و القمري إلى سجن ليمان طرة سعى الاثنان إلى دمج وتوحيد تنظيم قادة الجماعة الاسلامية و الجهاد في جماعة واحدة تحت ذريعة الاعداد لمواجهة المحاكمة التي عرفت إعلاميا في ذلك الوقت باسم محاكمة الجهاد الكبرى و التي كان من المزمع أن يقدم لها 302 من القادة و الأعضاء النشيطين في كل من تنظيمي الجهاد و الجماعة الاسلامية.
و تكون مجلس شورى لقيادة الكيان الذي أريد له أن يجمع تنظيم الجهاد (جماعة محمد عبد السلام و جماعة أيمن الظواهري و جماعة سالم الرحال) بالاضافة للجماعة الاسلامية, و كان مجلس الشورى مكونا من كل من أيمن الظواهري و طارق الزمر و ناجح ابراهيم و عصام دربالة أعضاء و عبود الزمر رئيسا, كما كانت هناك لجان نوعية انتظم فيها العديد من القادة الآخرين من سائر المجموعات, و عندما استقال عبود الزمر من رئاسة مجلس الشورى لبعض الوقت خلفه في رئاسة المجلس عصام القمري, لكن الجماعة الاسلامية طالبت بإلحاح برجوع عبود في رئاسة المجلس بعد فترة وجيزة, و قد تم ذلك.
و حدثت خلافات كثيرة بين كل منظمات الجهاد من جهة و بين قادة الجماعة الاسلامية من جهة اخرى, و رغم أن هذه الخلافات قد اتخذت العديد من المظاهر إلا أن جوهرها الحقيقي كان صراعا على قيادة الكيان الجديد الذي ضم كل الجهاديين و الجماعة الاسلامية في كل السجون تقريبا, إذ كان قادة الجماعة الاسلامية و هم مجلس الشورى الخاص بالجماعة الاسلامية و الذي كان مكونا من 12 عضوا (وكلهم كانوا وقتها من طلبة جامعة أسيوط عدا كرم زهدي الذي كان وقتها طالبا بمعهد التعاون الزراعي و قيل أنه كان مفصولا من المعهد في ذلك الوقت) يسعون للسيطرة على قيادة الجماعة الجديدة التي كان الجميع يظن أنها ستكون ذات دور بارز في العمل الاسلامي بعد خروج عدد من القادة من السجن إثر انتهاء المحاكمات.
و كان قادة منظمات الجهاد المختلفة يرون أنفسهم أنهم ذوي خبرات مختلفة فعبود الزمر و عصام القمري كانا ضابطين سابقين و مرموقين في الجيش بالنسبة لأبناء جيلهما كما كان أيمن الظواهري و العديد من قادة الجهاد قد أتموا دراساتهم الجامعية و لهم خبرات تنظيمية جيدة و عديدة تختلف عن الحال الذي كان عليه قادة الجماعة الاسلامية, و لذلك فقد قال عصام القمري ذات مرة "إن قادة الجماعة الاسلامية كلهم طلبة و كلهم رأيهم واحد فليس لديهم أي تنوع في الأراء فلماذا يتعين علينا أن نجلس معهم جميعا و نستمع لهم جميعا, يكفي ان يأتينا واحد منهم برأيهم جميعا و خلاص", و لكن قادة الجماعة الاسلامية كانوا يتشبسون بالتحرك وحضور أي لقاءات مجتمعين بكل عددهم لإعتبارهم أن ذلك يمثل ضغطا على الآخرين, كما كانوا يصدرون النصائح و التوصيات باسم الدكتور عمر عبدالرحمن الذين كانوا قد ضمنوا ولائه الكامل لهم و عدم خروجه عن رأيهم أبدا بينما هو واجهة جيدة دينيا و إجتماعيا بصفته عالم دين محترم في مواجهة قادة الجهاد ذوي الخبرات التي لن يختلف على أنها أعلى منهم كمجرد طلبة في ذلك الوقت, و نظرا لنجاح قادة الجماعة الاسلامية في استخدام الدكتور عمر عبد الرحمن بهذه الطريقة, فقد تفجرت قضية أنه لا ولاية لضرير و التي فجرها في بداية الأمر ، عصام القمري و تبعه جميع أعضاء و قادة الجهاد بعد ذلك, و لم تكن ما يسمى بولاية الأسير التي أثارتها مجلة روزاليوسف فيما بعد ذلك بسنوات مثارة بأي شكل من الأشكال لأن الجهاد كان من قواعدهم أنه لا ولاية لا لأسير و لا لضرير, بينما كانت الجماعة الاسلامية تؤيد الأمرين بلا أي جدل فقادة الجماعة الاسلامية في السجن كان لهم القول الفصل في كل شئ يخص الجماعة الاسلامية خارج السجن بل و خارج مصر أيضا, كما كان الدكتورعمر عبدالرحمن هو أمير الجماعة الاسلامية المعلن بغض النظر عن حقيقة الصلاحيات التنظيمية التي كان يمتلكها في حقيقة الأمر.
و على كل فقد افترقت السبل بكل من الجماعة الاسلامية و الجهاد منذئذ, و خرج من السجن ثلاث جماعات جهادية منفصلة, الأولى الجماعة الاسلامية المعروفة بقيادة حقيقية لمجلس الشورى المكون من 12 عضوا و الذين يطلق على من تبقى منهم حتى الآن القادة التاريخيون للجماعة الاسلامية و هم الذين قادوا مبادرة وقف العنف و سوف يأتي تفصيل عن هذه الجماعة في الصفحات التالية .
و الجماعة الثانية التي تمخضت عن هذه الخلافات هي جماعة عبود الزمر و التي قادها بعد الخروج من السجن مجدي سالم و أحمد النجار و عادل السوداني و أحمد سلامة مبروك و آخرون.
و الجماعة الثالثة هي جماعة أيمن الظواهري .
و قد توحدت جماعة عبود الزمر و أيمن الظواهري في أواخرعام 1988م و تشكلت قيادتها في بيشاور من أيمن الظواهري و أحمد سلامة و الرائد عبدالعزيز الجمل و محمد الظواهري و عادل عبد القدوس وغيرهم و كان الأمير العام حينئذ الدكتور سيد إمام الشريف و صار اسم هذه الجماعة الجديدة "جماعة الجهاد الاسلامي" و اشتهرت في خارج مصر باسم "الجهاد المصري", بالاضافة لذلك فقد انفصل عبود الزمر و طارق الزمر و العديد من قادة الجهاد الذين معه في السجن عام 1991م عن جماعة الجهاد هذه و انضموا للجماعة الاسلامية في السجن.
و خاضت "جماعة الجهاد الاسلامي" عدة عمليات مسلحة ضد رموز للسلطة كما حاولت ارتكاب مزيد من هذه العمليات و فشلت , و تعرضت لضربات أمنية قاسية في داخل و خارج مصر مما استدعاها لإصدار قرار بوقف جميع عملياتها المسلحة داخل مصر عام 1995م, و لم تقم بأي عملية منذئذ حتى اشتركت مع منظمة القاعدة في عمليتي نسف السفارتين الأمريكيتين في كينيا و تنزانيا ردا على عملية خطف المخابرات الأمريكية لعدد من قادة و عناصر جماعة الجهاد و كان أشهر المخطوفين من قادة الجهاد قبل قصف السفارتين أحمد النجار عضو مجلس شورى الجهاد و مسئول التنظيم المدني به.
مراجعات الجهاد
و ابتداءا من 1999م بدأ العديد من قادة جماعة الجهاد المصرية في السجون المصرية ما سمي بمراجعات الجهاد, و التي قادها أخيرا الدكتور سيد إمام الشريف و الذي ألف كتابين لهذا الغرض, الأول "وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر و العالم", و تهدف لإقناع قادة و أعضاء الجهاد بالمبررات الشرعية لوقف العمليات المسلحة في مصر و العالم و الكف عن السعي لقلب النظم الحاكمة في العالم الاسلامي, و قد ألف الدكتور أيمن الظواهري كتابا رد فيه على وثيقة الدكتور سيد إمام الشريف فعاد سيد إمام و ألف كتابا رد فيه على كتاب الظواهري, و ما زالت مراجعات الجهاد تتفاعل بين مؤيد و معارض من قادة التنظيم و أعضائه حتى الآن في داخل مصر و خارجها, و من المتوقع أن يمثل هذا مخاضا لتغيرات هيكلية فكرية في قلب تنظيم الجهاد داخل و خارج مصر.
لكن سرعان ماظهرت تنظيمات عديدة جديدة تتبنى فكر جماعة الجهاد أو القاعدة بمعزل عن قادة الجهاد القدامى مما شكل تحديا خطيرا للأجهزة الأمنية, حيث كان ارتباط الأجيال الجديدة من الجهاديين بالقادة القدامى يمثل خيطا مهما لأجهزة الأمن لكشف المجموعات الجهادية الجديدة, لكن ظهور منظمات و مجموعات جديدة كلها ليس لها أي ملفات لدى أجهزة الأمن ساعد على مفاجأة الأجهزة الأمنية في عمليات تفجيرات طابا (2004م) و شرم الشيخ (2005م) و دهب و الأزهر و ميدان عبدالمنعم رياض (ثلاثتها في 2006م), صحيح أنه تم تصفية هذه المجموعات و لكن بعدما نفذوا عملياتهم, كما أن أجهزة الأمن راحت تكتشف من حين لأخر وجود مجموعات جهادية صغيرة إما تحمل فكر "جماعة الجهاد المصرية" أو فكر "قاعدة الجهاد" بقيادة أسامة بن لادن.
الفرق بين جماعة الجهاد و الجماعات الإسلامية الأخرى:
و لكن ما هي رؤية جماعة الجهاد الاسلامية المصرية لوسيلة التغيير و أولوياته و ما الفرق بينها و بين الجماعات الإسلامية الأخرى؟؟ تتلخص رؤية جماعة الجهاد للواقع بصفة عامة في أن ضعف المسلمين و تخلفهم يرجع للبعد عن الإسلام بالمفهوم الذي تراه الجماعات السابقة و هنا جماعة الجهاد لا تختلف عن أي منها و لكن يأتي الخلاف في استراتيجية التغيير التي تبنتها جماعة الجهاد والوسائل التي اتبعتها في ذلك و ذلك كله انطلاقا من تصورها عن الواقع السياسي الإسلامي المعاصر.
لقد تصورت جماعة الجهاد الواقع السياسي الإسلامي في إطار الحديث الصحيح المشهور و الذي تفهم كل الحركات الإسلامية من خلاله ماضي الأمة الإسلامية و حاضرها و مستقبلها و الذي يقول فيه النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) "تكون النبوة فيكم ما شاء الله لها أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون فيكم ما شاء الله لها أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء الله أن يرفعها ثم يكوم ملكا عضوضا فيكون فيكم ما شاء الله له أن يكون ثم يرفعه الله إذا شاء أن يرفعه ثم يكون ملكا جبريا فيكون فيكم ما شاء الله له أن يكون ثم يرفعه الله إذا شاء أن يرفعه ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت", فجميع الحركات الإسلامية ترى أن النبوة المذكورة في الحديث هي عصر حكم النبي للمسلمين بينما الخلافة على منهاج النبوة تبدأ بعصر أبي بكر الصديق و تنتهي بيوم تنازل الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان و أنه من معاوية و حتى بداية العصر العباسي الثاني هو الملك العضوض أي الظالم و أما المرحلة الحالية فهي مرحلة الملك الجبري, أي ما نسميه بلغة العصر أنظمة الحكم العسكرية التي تحصل على الحكم عبر الإنقلاب العسكري.
إلى هنا تتفق كل فصائل الحركة الإسلامية الحديثة تقريبا على هذا التوصيف بل و تتفق معها كثير من فصائل الحركة الإسلامية التقليدية على نفس التوصيف, و لكن كل هذه الفصائل تنحصر خلافاتها و تمايزاتها في كيفية التعامل مع هذا الواقع.
فالجهاد يرى أنه مادامت حكومات العالم الإسلامي قد إغتصبت الحكم بالإنقلاب العسكري رغما عن الشعوب و بمساندة و مباركة من الإستعمار الغربي فإنه يحق للمسلمين أن يستردوا حقهم المغتصب بالقوة المسلحة, و رأى الجهاديون المصريون أن الإستيلاء على الحكم في العالم الإسلامي أولى من قتال الغرب رغم كل الظلم الذي يظلمه الغرب للمسلمين و قد اعتمدوا في ذلك على القول بأن أنظمة الحكم في العالم الإسلامي هي عدو قريب بينما الغرب هو عدو بعيد و استدلوا على أولوية قتال العدو القريب بقوله تعالى "يأيها الذين أمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة" و معنى"يلونكم" أي الأقرب لكم.
العدو القريب و العدو البعيد:
و تظهر قيادة الدكتور صالح سرية (و هو فلسطيني) لمحاولة انقلابية قام بها تنظيم الجهاد المصري عام 1974م في مصر مدى إيمان جماعة الجهاد المصرية بتقديم ما يسمونه بالعدو القريب على أى عدو أخر بما في ذلك اسرائيل فصالح سرية فلسطيني و مع ذلك قام بنشاطه الجهادي ضد حاكم عربي و ليس ضد الصهاينة في فلسطين المحتلة, و لاتقتصر دلالة حركة صالح سرية على ذلك فقط بل فيها دلالة أخرى هامة جدا تبرز مدى اهتمام تنظيم الجهاد بمصر فصالح سرية فلسطيني و عاش فترة طويلة في عدد من الدول العربية المختلفة على رأسها العراق و الأردن و مع ذلك ركز محاولته التغيرية على مصر بالذات.
مصر في الفكر الجهادي:
و في الواقع فإن تنظيم الجهاد المصري و العديد من الجهادين الإسلامين حول العالم ظلوا إلى وقت قريب يرون أنه يجب التركيز على الإستيلاء على الحكم في مصر لتكون القاعدة والمنطلق الذي تنطلق منه عملية التغيير الإسلامي إلى جميع أنحاء العالم الإسلامي لما لمصر (في رأيهم) من تاريخ و مكانة و إمكانيات و موقع جغرافي هام, و قد ساقوا أدلتهم على هذا الطرح في العديد من أدبياتهم السياسية مثل كتاب "فلسفة المواجهة" لطارق الزمر.
و إذا كان تنظيم الجهاد المصري قد اعتمد استراتيجية التغيير بالقوة المسلحة فإنه اتخذ من الإنقلاب العسكري وسيلة وحيدة لتنفيذ هذه الإسترتيجية حتى عام 1980م عندما أدخل عبود الزمر فكرة أن الانقلاب عسكري لابد أن تصحبه تحركات شعبية مؤيدة له, و ظلت هذه هي وسيلة الجهاد المعتمدة للتغيير إلى أن تشرذم التنظيم و ضعف بعد انضمام كثير من قادته الكبار للقاعدة عام 1999م, كما تم قتل القادة الكبار الآخرين الذين رفضوا الإنضمام للقاعدة و أصروا على بقاء تنظيم الجهاد على استراتيجيته القديمة بعيدا عن استراتيجية القاعدة مثل نصر فهمي و طارق أنور و غيرهما, و كان مقتل هؤلاء في القصف الأمريكي لأفغانستان خاصة قصف قندهار و كابول.
الهجمات المسلحة المحدودة و موقعها من استراتيجية الجهاد:
رغم أن الجهاد يختزل فكرته كلها عن التغيير في الإنقلاب العسكري إلا أنهم وضعوا في استراتيجيتهم ما أطلقوا عليه العمليات الخاصة و هي (حسب وجهة نظرهم) عمليات مسلحة محدودة ضد رموز الحكومة و جهاز الأمن بهدف الضغط على الحكومة بغرض وقف تعذيب المعتقلين أو الإفراج عنهم ونحو ذلك و من هذا المنطلق نفذوا محاولات اغتيال رئيس الوزراء الأسبق عاطف صدقي ووزير الداخلية الأسبق حسن الألفي و نحوهما من العمليات.
الفرق بين القاعدة و الجهاد المصري:
وهناك فرق بين الجهاد المصري و القاعدة رغم أن كوادر الجهاد كانوا هم الركيزة الأساسية في تأسيس و إدارة القاعدة, فالقاعدة تبنت منذ 1998م استراتيجية محاربة الولايات المتحدة وحلفائها عبر ضرب مصالحهم في أي مكان في العالم بهدف إضعاف قدرتها و نفوذها في المنطقة الأمر الذي سيمنعها (حسب رأيهم) من مساندة حكام العالم الإسلامي الذين نجحوا في التغلب على محاولات الجهاديين في الحصول على الحكم بسبب المساندة الأمريكية, كما أن القاعدة بجانب ذلك تهدف بهذه العمليات لكسب تأييد الجماهير في العالم الإسلامي لدعم خط القاعدة و محاولاتها المستقبلية للحصول على الحكم.
و قد شرح هذه الإستراتيجية كثيرا أيمن الظواهري في مناسبات شتى, لكن في حقيقة الأمر فمبتكر هذه الإستراتيجية الأصلي هو أبرز المفكرين الإستراتيجيين في القاعدة أبو مصعب السوري, لكن الظواهري تلقاها منه و اقتنع بها بعدما نجحت السي أي إيه في معاونة الأجهزة المصرية في توجيه ضربات موجعة إلى جماعة الجهاد المصرية, و قام الظواهري باقناع أسامة بن لادن بها, و من ثم نشأ سلوك القاعدة المسلح الذي يستهدف العدو البعيد قبل العدو القريب خلافا لرأي جماعة الجهاد المصرية .
ومن أبرز العمليات المسلحة التي قام بها تنظيم الجهاد في مصر هي:
1. محاولة انقلابية فاشلة عام 1974م عرفت باسم عملية "الكلية الفنية العسكرية", و قد حوكم أعضاء و قادة من تنظيم الجهاد فيها بقضية عرفت إعلاميا بهذا الاسم.
2. مهاجمة حارس قنصلية أجنبية بالأسكندرية عام 1977م و محاولة سلب سلاحه, و قد حوكم قادة و أعضاء التنظيم في ذلك الوقت في قضية عرفت إعلاميت باسم قضية تنظيم الجهاد.
3. إشتباك علي المغربي عضو تنظيم الجهاد بالاسكندرية عام 1977م مع قوة من الشرطة حاولت اعتقاله و قتل في الإشتباك ضابط أمن دولة كما لقي على المغربي مصرعه.
4. إغتيال الرئيس أنور السادات و مجموعة من مرافقيه في العرض العسكري في 6 أكتوبر 1981م على يد أربعة من أعضاء تنظيم الجهاد.
5. إلقاء قنبلة على معسكر قوات أمن القاهرة بحي الساحل بشبرا في 8 أكتوبر 1981م.
6. محاولة إغتيال وزير الداخلية الأسبق اللواء حسن الألفي عبر تفجير أحد أعضاء التنظيم نفسه في موكب الوزير أمام الجامعة الأمريكية بالقاهرة, وقد قتل عضو التنظيم بينما أصيب اللواء حسن الألفي و عدد من حراسه بجراح بالغة (صيف 1993م).
7. محاولة إغتيال رئيس الوزراء الأسبق عاطف صدقي بتفجير موكبه بسيارة ملغومة تم تفجيرها بالتحكم عن بعد بأحد شوارع القاهرة في حي مصر الجديدة , و لم يصب رئيس الوزراء بأذى لكن أصيب بعض المارة بإصابات مختلفة (1993م).
8. إغتيال الشاهد الأول في قضية محاولة إغتيال عاطف صدقي قبيل موعد إدلائه بشهادته بعدة ساعات (1993م).
9. عدد من المحاولات الفاشلة لإغتيال الرئيس حسنى مبارك عبر المتفجرات في شوارع القاهرة, كانت إحداها بسيارة ملغومة امام أحد المساجد, و أخرى كانت عبر تلغيم الطريق الرئيسي الذي يمر به موكبه, و في كل الحالات لم يتم التفجير لأن الرئيس غير مسار موكبه في اللحظات الأخيرة.
10. تفجير السفارة المصرية في اسلام أباد (باكستان).
11. الاشتراك مع منظمة القاعدة في تفجير السفارتين الأمريكيتين في كينيا و تنزانيا في وقت متزامن (1998م).
0 التعليقات:
إرسال تعليق