مقتطفات من مذكرات السادات 2

نشرت في :
  • السبت، 15 أكتوبر 2011
  • | من قبل
  • Unknown
  • |
  •  

     

    بعد ثورة 52 مباشرة

    كانت حصيلة أراضي العائلة المالكة 70 مليون جنيه .. أنفقناها علي بناء
    الوحدات المجمعة والمستشفيات والمدارس في ريف مصر بحيث كنا نبنى 3
    مدارس كل يومين - وأذكر أننا بنينا في سنة واحدة قدر ما بنى في مصر من
    مدارس خلال 20 سنة.

    أنشأنا عند ذاك مجلسين ، أحدهما للآنتاج والآخر للخدمات .. أما مجلس
    الإنتاج فقد بدأ عمله بمشروع كيما للسماد .. وعندما تعود بي الذاكرة إلي
    تلك الأيام .. أري أمام عينى المهندس اليونانى الأشعث الشعر ، الزائغ
    العينين الذي كان يتردد علينا في مقر القيادة بالعباسية في أى وقت وبدون
    سابق ميعاد ؛ كان اسمه علي ما أذكر دانينوس، وكان في كل مرة يقتحم
    مقرنا ويتفوه بعبارات محمومة .. فحواها دائماً فكرة واحدة .. وهي أن
    النيل عند منطقة أسوان يجب أن يغلق بسد عال.

    كلفنا مستشار المجلس المرحوم المجلس محمود يونس بدراستها .. وقد عاد
    إلينا بعد فترة ليقول إنه بعد الدراسة والمعاينة يري ابتداء أنها فكرة رائعة، إذ
    أثبتت الأبحاث علي قاع النيل في تلك المنطقة صحتها وطلب لذلك الموافقة علي
    بدء الأبحاث مع بيوت الخبرة العالمية.

    وهكذا نشأت فكرة السد العالي .. وليدة للإيمان والحماس والبصيرة .. كما
    تنشأ عادة كل الأفكار العظيمة.

    في سنة 1953 بدأنا أيضاً إنجاز مشروع قديم ظل يتلكأ بين حكومات
    الأحزاب المختلفة ، وهو مشروع كهربة خزان أسوان ، الذي انتهينا منه
    في سنة 1960 مما أعطانا فرصة بدء السد العالي اعتماد علي الكهربة
    التى زودنا بها .

    كان لابد نتيجة حل الأحزاب ما بين 52 ،1953 ؛ أن ينشأ فراغ ، وكان
    علينا أن نملأ هذا الفراغ ، فانشأنا مايسمي بهيئة التحرير ، وكان شعارنا
    الاتحاد والنظام والعمل ؛ ثم تلاها اتحاد قومي أول وبعدها اتحاد اشتراكي
    ثان، ولابد أن أقرر هنا أن هذه الصيغ كلها كانت مستعارة من يوغوسلافيا
    بعد أن توطدت علاقة عبد الناصر الشخصية بتيتو ، وكان عبد الناصر
    يمضي وقتاً طويلا معه في المناقشة ويعجب بآرائه.

    ازدادت الحالة سوءاً عندما أصبح الاتحاد الاشتراكي (الحزب الواحد) أداة
    سيطرة كاملة حتى علي أرزاق الناس .. حين استعار الملتفون حول جمال
    والذين يفلسفون له الماركسية كأسلوب فبدأ فرض الحراسات والمصادرة
    والاعتقال ومنع النشاط الخاص بحجة ضرب الرأسمالية الوطنية كإحدي
    قوي التحالف الخمس.
    وبدأت مرحلة التخبط الاقتصادي.

    وبعد أن أفاق الشعب من هول الصدمة بدأ النقد العنيف مرة أخري، وفي هذه
    المرة جاء الانفجار في فبراير سنة 1968 بعد صدور أحكام مخففة
    علي قادة الطيران الذين يعتبرهم الشعب من أقوي أسباب الهزيمة المهينة ..
    ثم اكتشف الشعب أيضاً أن ما سمى بالميثاق لم يطبق وأنه لم يكن إلا لامتصاص
    نكسة الانفصال بين  مصر وسوريا وعندئذ أصدر عبد الناصر ما سمى بعد ذلك
    ببيان 30 مارس سنة 1968 لم يغير من نفس الملتفين حوله والذين لم يكن لهم من
    هم إلا السلطة الديكتاتورية المطلقة لكي يبقوا في مناصبهم واكتشف الشعب
    مرة أخري أن بيان 30 مارس 1968 لم يغير من القبضة الديكتاتورية شيئاً
    وأنه قد أرجأ الدستور الدائم إلي ما بعد إزالة آثار العدوان وكرس حق الاعتقال
    وكانوا يظنون أنه سيقودهم إلي الديموقراطية ..

    فكان هذا البيان إلا لامتصاص آثار هزيمة يونية وكم عانيت من سيلسة الامتصاص
    فأنا أن أغير .. لاأمتص .. وأن أعالج .. لا أحذر ..
    فمثلا كان هناك صراعاً داخل مجلس قيادة الثورة .. وبطريقة الحلول المؤقتة لجأ عبد
    الناصر إلي تعين أعضاء مجلس قيادة الثورة في الوزارة واحداً بعد الآخر ، حتى أنه قبل
    أنه قبل أن تنتهي سنة 53 كان جميع الثوار يحكمون .. ماعدا واحد هو أنا.

    في سنة 1954 وصل الصراع إلي مرحلة عنيفة ، خاصة بينى وبين محمد نجيب
    وبيننا وبين الأخوان المسلمين وبعض فلول السياسيين الذين ألتفوا حول نجيب
    وظنوا أنهم يستطيعون أن يحققوا شيئاً.

    حاولت كل العناصر المضادة استغلال الأنشقاق مع محمد نجيب ليس حباً في نجيب
    وتأيداً له بل في محاولة لانهاء الثورة وتسلم السلطة. فكانت مظاهرات الأخوان وهي
    تجوب شوارع القاهرة وتتوجه إلي قصر عابدين، يحمل أفرادها مناديل ملطخة بالدماء
    وينادون بسقوط الثورة.

    لم يكن هناك بد ازاء كل هذا من حسم الوضع مع نجيب فعزلناه نهائياً
    في أكتوبر 1954 بعد توقيع اتفاقية الجلاء  مع بريطانيا في نفس الشهر تلك
    الاتفاقية التى انهت الاحتلال البريطانى لمصر لأكثر من خمسة وسبعين عاماً.

    من كتاب البحث عن الذات لمحمد أنور السادات

    0 التعليقات:

    إرسال تعليق

     
    تصميم : Bloggermint | تعريب : قوالبنا للبلوجر
    المصري المثقف -2012