صلاح الدين الايوبي
القضايا المحلية
كان صلاح الدين قد حاول التقرّب من أمير حصن كيفا المدعو نور الدين محمد الأرتقيّوني، عندما عرض التوسط بينه وبين عز الدين قلج أرسلان بن مسعود، سلطان سلاجقة الروم، لإنهاء خلاف قائم، حيث كان الأخير قد طالب نور الدين بإعادة بعض الأراضي التي حصل عليها كهدية زفاف بعد زواجه من ابنته، ثم تبيّن أنه يُسيء معاملتها وأن هدفه من ذلك الزواج لم يكن سوى السيطرة على مزيد من المناطق فحسب، وقد قبل نور الدين وساطة السلطان الأيوبي بينما رفضها قلج أرسلان. وفي شهر يونيو من سنة 1180م، استقبل صلاح الدين الأمير نور الدين محمد وأخاه أبو بكر في محاولة لكسب الود وتوطيد العلاقات مع الأرتقيون تمهيدًا لأي مجابهة يُحتمل وقوعها بين الأيوبيين وأمراء الموصل والأناضول والملوك الصليبيين، وأرفق كلا الأميرين بهدايا قيل بأن قيمتها تخطت 100,000 دينار. بعد هذا اللقاء، راسل السلطان قلج أرسلان صلاح الدين معلنًا قبوله الوساطة ودخوله في الحلف الأيوبي الأرتقيّوني، فابتهج صلاح الدين لهذا الخبر لما تضمنه من بشائر إعادة توحيد الأراضي الإسلامية، لكن فرحه سرعان ما تحوّل إلى غضب عارم، عندما وصلته رسالة من أرسلان يقول فيها أن نور الدين عاد ليُسيء معاملة زوجته ابنة سلطان آل سلجوق، فهدد صلاح الدين بالمسير إلى ملطية عاصمة نور الدين ليؤدبه بنفسه ولينهي الخلاف القائم بين حاكمين مسلمين في وقت كان المسلمون فيه بأشد الحاجة لأن يتوحدوا، وفي واقع الأمر فإن صلاح الدين لم يرغب بالمسير إلى نور الدين محمد، ذلك أنه تحالف معه ولم يعد يستطيع أن ينقض هذا الحلف، وفي الوقت نفسه كان للسلطان قلج أرسلان كامل الحق في الخوف على ابنته والدفاع عنها ومنع استغلالها لغايات سياسية، فجاء خطاب صلاح الدين حادًا في سبيل إخافة نور الدين وحثه على الخضوع. ولمّا تبيّن لنور الدين محمد أنه لا يقدر على الجيش الأيوبي، خضع لأوامر صلاح الدين وعز الدين قلج أرسلان، ووافق على أن يُرسل امرأته إلى أبيها طيلة سنة من الزمن، خصوصًا بعد أن جاء في رسالة بعثها إليه صلاح الدين، أنه إن خرق هذا الاتفاق فسوف ينقض صلاح الدين الاتفاقية بينهما.
عاد صلاح الدين إلى القاهرة بداية عام 1181م وترك فروخ شاه ليتولّى شؤون الشام أثناء غيابه؛ يقول أبو شامة المقدسي أن صلاح الدين كان ينوي تمضية شهر رمضان في مصر ذلك العام، ومن ثم يذهب للحج في مكة، لكن لأسباب غير واضحة عدل عن حج البيت الحرام، وشوهد في شهر يونيو وهو يتفقد ضفاف النيل. وفي تلك الفترة حدثت بينه وبين البدو بعض الإشكالات، إذ اتهم بعضهم بالإتجار مع الصليبيين، فصادر محاصيلهم وأرغمهم على مغادرة شرق مصر والسكن في غربها، واستولى على ثلثيّ الأراضي التابعة للإقطاعيين منهم وأعطاها لإقطاعيي الفيوم ليعوضهم عن أراضيهم الخاصة التي هدف أن يجعلها ملكًا عامًا للدولة، كما حوّل بعض السفن الحربية على قراصنة الأنهار من البدو الذين كانوا يغيرون على المزارع والقرى المجاورة للنيل وفروعه.
في صيف سنة 1181م، قاد أخو صلاح الدين سيف الإسلام ظهير الدين طغتكين بن أيوب، في فرقة عسكرية لاعتقال نائب توران شاه في بلدة زبيد باليمن، حطان بن كامل بن منقذ الكناني، لاختلاس العوائد المالية للبلدة التي يتولّى أمورها، غير أن صلاح الدين قال أنه ليس هناك من دليل يفيد بصحة ما قيل، وأمر بإطلاق سراحه مقابل 80,000 دينار له شخصيًا ومبالغ أخرى لإخوته. كان اعتقال حطان الكناني المثير للجدل نتاج استياء بعض المقربين من صلاح الدين من إدارة بلاد اليمن بعد أن غادرها توران شاه؛ فعلى الرغم من أن نائبوه استمروا يرسلون خراج البلاد، إلا أن السلطة الأيوبية على اليمن أخذت تضعف بعض الشيء، حيث برز صراع على السيادة بين عز الدين عثمان صاحب عدن وصاحب زبيد، مما جعل صلاح الدين يقول أنها تُكلّف الدولة الأيوبية مصاريف كبيرة ولا تعود عليها بالفوائد المرجوّة والمتوقعة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق