أئمة الشر.. الإخوان والشيعة

نشرت في :
  • الجمعة، 24 مايو 2013
  • | من قبل
  • Unknown
  • |
  • التسميات: ,
  • أئمة الشر .. الإخوان والشيعة

    لثروت الخرباوي





    رحلة وصول الإخوان إلى الحكم بدأت بفكرة خطرت على بال مدير المستعمرات البريطانى عام 1920
    الجماعة كانت فى قبضة المخابرات البريطانية التى كانت تحركها كقطعة شطرنج
    لماذا قرر البنا أن يعمل فى مدينة الإسماعيلية التى كانت مقرًّا لشركة قناة السويس وإدارتها الأجنبية؟
    قبل أن أدخل إلى قلب جماعة الإخوان، وبعد أن دخلت، وإلى اللحظة التى أكتب فيها هذه الكلمات، وحلم الخلافة واستعادتها هو الذى يسيطر على قلب الجماعة، عشنا فى هذا الحلم وانغمسنا فيه حتى النخاع، رسمنا فى ضمائرنا صورة وردية له، ما أجمل هذه الصورة وما أبهاها، أمن الممكن أن يتحول الحلم إلى حقيقة؟ الحلم الذى استولى على قلبى وقت أن كنت صغيرا وأنا أحث الخطى للدخول إلى تلك الجماعة هو أن ننشأ خلافة مثل الخلافة الراشدة، لكن أحيانا تكون أحلام الصغار كبيرة، وأحلام الكبار صغيرة، أحلام الصغار غالبا طاهرة خالية من المنافع والمصالح والدنيا، ممتدة بلا حدود، لا تعرف المستحيل، فهم فى سنهم هذه فى أوج العاطفة الدينية البريئة، أما أحلام الكبار سدنة المعبد ففيها مآرب أخرى، ولكى يستمر ركب الصغار فى مسيرتهم وراء السدنة يجب أن يظلوا على حلمهم الوردى، لا تبديل له، لذلك يظل الكبار على تصدير ذلك الحلم بصورته النقية إلى الأذهان وإلا انفض الجمع من حولهم.
    وبعد سنوات وحين يكبر الصغير أو يقترب من دائرة الكبار يجد أن الأمور كانت مختلفة، ويكتشف أنه كان يعيش فى حلمه الخاص، أسطورته الذاتية، وأن السدنة لهم رؤية أخرى وعالم آخر ليس من السهل أن يلج فيه الصغار، فإذا كبروا ذات يوم ودخلوا عرفوا، وإذا عرفوا إما أن يقبلوا الواقع الذى كانوا يجهلونه، وإما أن يتمردوا عليه، فإذا تمردوا عاشوا زمنا على وهم أن يكون حلمهم هو حلم الجماعة كلها بصغارها وكبارها، لكن ذات يوم يطولهم اليأس.
    الحقيقة التى تظل مخفية زمنا هى أنهم لا يريدون خلافة إسلامية، لكنهم يريدون خلافة إخوانية، الخلافة التى يريدها كبار الإخوان هى خلافة على شكل الخلافة الأولى ورسمها، دون أن تكون على منهاج النبوة، ويا لها من مسافة شاسعة، تلك التى بين الشكل والمنهج.
    لم تكن عقولنا حين كنا صغارا قد استوت على سوقها ونضجت، فلم نر إلا حلمنا ولم نر العالم كله، لم ندرك أن الواقع الآن غير واقع العصور الأولى، والأحكام تتغير بتغير الزمان، وشكل أنظمة الحكم فى العالم فى زمن الخلافة يختلف عن شكل أنظمة الحكم فى واقعنا، فإن كان لا ضير من أن ننشد توحدا للأمة «واعتصموا بحبل الله جميعا» إلا أن هذا الاعتصام ينبغى أن يكون أول ما يكون فى مقاصد الشريعة، فكيف تعود الخلافة على شكل الخلافة الأولى وهى تخاصمها فى العدل والمساواة والحرية، ستكون آنذاك كبيت العنكبوت، أو ستصبح «خلافة ضرارا» كمسجد الضرار، ستعود بنا إلى خلافة «الرجل المريض».
    ولأننا وقعنا تحت دائرة استخدام المصطلحات فى غير موضعها، فقد أطلقنا عبر تاريخنا مسمى الخلافة على شىء آخر لا علاقة له بالخلافة، الخلافة فقط كانت هى الخلافة الراشدة، وانتهت بقتل سيدنا على رضى الله عنه، أما ما جاء فى واقع الأمة بعد ذلك فلم يكن خلافة، لم يكن خلافة، لم يكن خلافة، ولكنه كان «حُكم أسَر» حيث حكمت الأسرة الأموية ثم العباسية، وكتبت نهاية حكم الأسر على يد الأسرة العثمانية، ولكننا كنا نطلق عبر تاريخنا على حكم الأسر هذا، دولة الخلافة!! لذلك فإن حلم السدنة هو أن ننشئ حكم «الأسرة الإخوانية» التى ستكون استعادة لا للخلافة الراشدة، ولكن لحكم الأسر التى حكمت تحت راية الخلافة، ولكى نكون أسرة ونحن لا يجمعنا أصل واحد فيجب أن تكون هناك رابطة تجمعنا، ولتكن رابطة الإخوة فى الله، وما أعظمها من رابطة، وللإخوة فى الله أحكام، لذلك فإن البناء القاعدى الأدنى فى الجماعة هو «الأسرة» فنعيش ردحا من الزمن على أننا فعلا أخوة، وأننا فى أسرة هى أقرب إلينا من حبل الوريد، أخى فى الأسرة أفضل عندى من أخى فى الدم ولكن أخوة الإخوان لا تدوم لأنها فى حقيقتها ليست أخوة فى الله، ولكن فى التنظيم، بحيث إذا خرج واحد من التنظيم خرج من دائرة الأخوة.
    عندما نشأت جماعة الإخوان عام 1928 كان حكم الأسرة العثمانية قد انقضى، إذ كان مصطفى أتاتورك قد فصم عراها، وساعده فى ذلك الضعف الذى اعترى الدولة العثمانية، وحين أنشأ حسن البنا الجماعة وضع لها «خارطة طريق» تغيرت الدنيا ولم تتغير الخارطة، زالت دول وقامت حروب عالمية وظهرت دول جديدة تسيدت العالم ونشأت «عصبة الأمم» ومن بعدها «الأمم المتحدة» وظهرت منظمات اتحادية كجامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامى، ولم يتطور فكر الإخوان المسلمين، لا يزالون يتحدثون عن دولة الخلافة التى ستصل إلى أستاذية العالم، يصنعون منها كعبة، وما كانت كعبة ولكنها هى «الوعاء الإنسانى والمجتمعى» الذى من شأنه إقامة معانى الإسلام ومقاصده، بدِّلوا الوعاء وغيروا شكله كما شاء لكم الاجتهاد ولكن لا تهدموا المقاصد من أجل الأوعية، فما قيمة الوعاء إذا كان خاليا إلا أن تتزين به الموائد.
    وعاء الإخوان الخالى احتوى فى داخله اسم المُنتَج، لا تظن أن المُنتَج هو «نبحث عن حكم من أجل إقامة الدين واستعادة الخلافة»؟ ولكنه كان ولا يزال «نرفع شعار الدين والخلافة من أجل الحكم»؟ لذلك فإن رحلتهم لم تكن من أجل الدين والخلافة الإسلامية الراشدة أبدا، لكنها كانت من أجل الحكم وإقامة الخلافة الإخوانية، وفارق كبير بين هذا وذاك، وذات يوم وصلوا إلى الحكم!
    رحلة الوصول للحكم لم تكن سهلة ولا هينة، بل كانت طويلة وشاقة، وأشهد أن الجماعة كانت دؤوبة، لم تتوان عن استخدام كل الطرق من أجل مبتغاها، ولكنها فى كل مرة قبل أن تصل إلى القمة إذ بصخرة الحكم تنزلق من على ظهرها إلى أسفل الجبل، فتهبط هبوطا اضطراريا لتحمل الصخرة مرة أخرى وتصعد إلى قمة الجبل، وقبل أن تضع صخرة الحكم فى موضعها وتجلس متكأة عليها تعود الصخرة للانزلاق، تمام مثل سيزيف فى الأسطورة الإغريقية، ولكن سيزيف ظل فى عذابه هذا إلى الأبد بسبب غضب آلهته منه، بينما آلهة الإخوان أخذت موقفا مختلفا ورضيت عنهم فمهدت لهم الطريق ليكونوا على رأس الدولة المصرية وبعض الدول العربية المحددة.
    كانت رحلة الوصول للحكم التى قطعها الإخوان مكلفة لا شك فى ذلك، ولكنها أيضا كانت بمثابة فترة اختبار، فقد وضعتهم آلهتهم سنوات طويلة تحت اختبارات عديدة، وفى كل مرة كانت علاماتهم أقل من المتوسط، ولكنهم كانوا يكتسبون خبرات عديدة مرة بعد الأخرى، إلى أن حان الحين، ولكن هل كانت بداية الإخوان حقيقة قد بدأت عام 1928 أم أن البداية كانت قد بدأت سرا فى مكان ما؟.
    ذات يوم من الأيام الأولى من عام 1920 طرأت فكرة على خاطر ألفرد ملنر، مدير المستعمرات البريطانى، كان هذا الرجل شخصية محورية فى بريطانية، وكان قد عمل فى مصر فى نهاية القرن التاسع عشر مساعدا لوزير المالية الذى كان وقتها إنجليزيا، استمر ملنر فى مصر أربع سنوات كاملة أصبح خلالها عارفا بخريطة مصر الجغرافية والسياسية، وحين قامت الثورة المصرية الأولى عام 1919 تُطالب بالاستقلال، رأت إنجلترا أن ترسل هذا الرجل الذى كانت له مكانة سياسية كبيرة هناك إلى مصر على رأس وفد إنجليزى كى يدرس أسباب الثورة وكيفية تجنبها، هبط ملنر وهو يرتدى بزته الإنجليزية الأنيقة من سفينته إلى أرض مصر كى يقوم بمهمته هذه فى ديسمبر من عام 1919، وظل بها إلى آخر مارس 1920، تقابل خلالها مع عدد محدود من القيادات التنفيذية والسياسية فى مصر، كان منهم عدلى يكن باشا رئيس الوزراء، إذ أن سعد زغلول أرسل من منفاه إلى كل القيادات السياسية فى مصر طالبا منهم أن يقاطعوا لجنة ملنر، المقاطعة هى الحل، يجب أن ينقطع كل الشعب عن مقابلة هذا الرجل حتى نـُجبر الإنجليز على إعادة سعد زغلول من منفاه، لا تفاوض إلا مع سعد، كل من كان يقابله ملنر كان يقول له: اسأل سعد، سعد هو من يمثلنا، وحين ظن بعض الساسة والمؤرخين أن لجنة ملنر قد باءت بالفشل الذريع، كان ملنر قد حقق نجاحا مدويا إذ كان المثل القائل «كل الطرق تؤدى إلى روما» هو خط سيره فى مصر.
    حينما كان ملنر فى مصر جلس مع اللورد اللنبى المندوب السامى البريطانى، وتداولا، وتشعب بهما الحديث، ويبدو أن الفكرة اختمرت فى ذهنيهما آنذاك «فليكن لهما الاستقلال الذى يريدون» ولكننا سنخفى أمرا!!.
    عاد ملنر إلى بريطانيا، وتقابل مع رئيس الوزراء ديفيد لويد جورج وأفضى إليه بما حدث له فى مصر من إعراض، وأسرّ له بالفكرة التى اعتملت فى ذهنه بعدما التقى اللنبى وعندما خرج من مقابلة رئيس الوزراء أجرت معه جريدة «مانشستر جارديان» حوارا قصيرا، قال فيه: «إنه لا يمانع من منح مصر الاستقلال بشرط عدم تعريض مصالح بريطانيا للخطر» ثم أضاف: «إن اللورد اللنبى وافقنى على رأيى حتى ولو كنا سنمنح مصر استقلالا كاملا فإن هذا لا يضيرنا فى شىء».
    سألته الصحيفة: وما خطتكم فى الحفاظ على مصالح بريطانيا؟
    أجاب: تكمن خطورة المصريين فى وحدتهم، ولذلك كانت ثورة سعد زغلول ورفاقه قوية لأن مصر أصبحت الكل فى واحد، هم يريدون بناء دولة حديثة لها استقلال كامل، وليكن، ولكننا لن ندعهم يكررون الكل فى واحد.
    قالت الصحيفة: كيف؟
    رد ملنر: هناك من قال إن الدين أفيون، ولكننى أؤكد أن الدين قنبلة.
    الصحيفة: لم نفهم شيئا من إجابتك سيدى!
    ملنر: ملكوت الله فى السماء هكذا نعرف، وملكوت الناس فى الأرض، فلننزل لهم الرب ليحكم الأرض، ولكنه سيفرقهم.
    الصحيفة: هذا كلام فلسفى لكننا لا نفهم منه شيئا، كيف ستنزل لهم الرب من السماء؟ وماذا سيفعل لهم الرب؟ وهل الرب يعمل لمصلحة الملك؟
    ملنر: لا أستطيع الإيضاح أكثر من ذلك، ولكن ليعلم الجميع أن الرب يعمل لمصلحة بريطانيا، وسيكون له دور فى استمرار وصايتنا على مصر حتى ولو حصلت على استقلال كامل.
    انتهى كلام ألفرد ملنر لصحيفة «مانشستر جارديان»، وقد أخرج صحفى اسمه جورج هيلر هذا الحوار فى كتاب طبعة 1932اسمه «بريطانيا والعالم» تحدث فيه عن سياسة بريطانيا فى مستعمراتها ومنها سياسة بريطانيا تجاه المملكة المصرية.
    الآن نستطيع إكمال المعلومات استقرائيا، فكما فى عالم كرة القدم مهنة قديمة اسمها «الكشاف» يقوم فيها هذا الكشاف بالترحال فى البلاد للبحث عن شاب صغير موهوب فى لعبة الكرة، فهناك فى عالم السياسة والمؤامرات والمخابرات كشاف يجوب العالم للبحث عن موهوب ينفذ خطة المدرب الأجنبى.
    الآن نستطيع الإجابة عن الأسئلة التى أوردها البنا فى مذكراته ولم نجد لها إجابة منطقية من قبل، وتلك الأسئلة التى ظلت تبحث عن إجابة:
    1ـ لماذا قرر البنا عدم إكمال تعليمه العالى رغم تفوقه وقرر العمل بالتدريس بشهادته المتوسطة التى لا تبيح له إلا العمل كمدرس للخط العربى؟.
    2ـ لماذا قرر البنا أن يعمل فى مدينة الإسماعيلية التى كانت مقرا لشركة قناة السويس وإدارتها الأجنبية؟ ولماذا فضل أن يبتعد عن أهله ومدينته أو حتى مدينة القاهرة التى كانت طموح الريفيين من أصحاب الهمم العالية والرغبة فى البذوخ؟.
    3ـ من الذى وجهه لهذا الاختيار؟
    4ـ لماذا تبرعت الإدارة الأجنبية لشركة قناة السويس لحسن البنا بمبلغ خمسمئة جنيه وهو مبلغ ضخم بمعايير العشرينيات؟ ولماذا اعترض البنا على قلة قيمة هذا التبرع؟ رغم ضخامته!
    ولنعد إلى ثورة 1919 وما تلاها لنعرف كيف فكر ملنر، ولماذا وافقه رئيس الوزراء ديفيد لويد جورج.
    كانت مصر قد بدأت تأخذ خطواتها فى طريق المدنية الحديثة، وتعالت الأصوات من رجالها تطالب بالاستقلال الكامل، وخرجت النساء لأول مرة فى تاريخ مصر فى مظاهرات تشارك فيها الرجال فى المطالبة بالاستقلال ذلك الحلم المنشود لمصر، وها هو الشاعر الكبير حافظ إبراهيم يكتب قصيدته الشهيرة عن ثورة النساء:
    خرج الغوانى يحتججن... ورحت أرقب جمعهن 
    كانت كل مصر وكأنها قد تجمعت على قلب واحد يقول: إن مصر دولة ذات حضارة ضاربة فى أعماق التاريخ، ولا ينبغى أبدا أن تظل رهينة فى يد الاحتلال، حتى ولو كانت إنجلترا أمبراطورية عظمى فإن مصر بتاريخها وعمقها الحضارى أعظم، لكن موازين القوة لا تعترف بالماضى، هى تعرف الحاضر فقط.
    ومع الرغبة الجارفة فى الاستقلال عن إنجلترا كانت هناك رغبة أخرى كامنة فى الضمير المصرى بالاستقلال عن الدولة العثمانية، لكن كان هناك أنصار للدولة العثمانية باعتبارها دولة خلافة إسلامية، والإسلام هو الحل، والخلافة فريضة.
    انتهت فاعليات الثورة وقبلت الحكومة البريطانية آراء ملنر، وأصدرت الحكومة البريطانية تصريح 28 فبراير 1922، الذى أعلن من طرف واحد استقلال مصر، إذ لم يكن هناك فى مصر وقتها من وافق على توقيع معاهدة مع الإنجليز.
    نزل هذا التصريح على قلب السلطان فؤاد بردا وسلاما، الآن يستطيع أن يتخذ لنفسه لقب «جلالة الملك» ويصبح كجورج الخامس ملك إنجلترا، فليس وحده هو الملك ولكن فؤاد أيضا كذلك، وفى 31 مارس 1923 خرجت أنفاس المصريين من صدورهم وهى تحمل زفير الفرحة، فقد تم فى هذا اليوم الإفراج عن سعد زغلول ورفاقه، فسافر سعد إلى فرنسا، ثم سُمح له بالعودة إلى مصر فعاد فى 18 سبتمبر 1923، وخرج المصريون فى كل المدن والقرى يغنون أغنية سيد درويش التى لحنها احتفالا بعودة سعد ولكنه قد مات قبل عودة سعد بثلاثة أيام وهى «سالمة يا سلامة رحتى وجيتى بالسلامة».
    وسط هذه الأحداث صدر دستور 1923، ووضح فيه أن مصر أخذت طريقها لبناء دولتها الدستورية الحديثة، انحاز الدستور إلى دولة يتم تنظيم مؤسساتها على النسق العالمى الحديث، لها جهات تشريعية تملك الحق فى التشريع لنفسها وإصدار القوانين، لها سلطة قضائية، تراقب تطبيق القانون وتعمل على تنفيذه على الوجه الصحيح، ولها سلطة تنفيذية تضبط كل ما يتعلق بإدارة البلاد، مصر الحديثة فى هذا الدستور قوميتها عربية.
    وفى عام 1925 خرج للوجود كتاب فَجّرَ مصر من الداخل، هو كتاب «الإسلام وأصول الحكم» للشيخ على عبد الرازق، أثار الكتاب ضجة كبرى فى مصر والعالم العربى كله، حيث جاء فيه «إن الإسلام لم يضع لنا شكلا للحكم، ولم تكن الخلافة فريضة ولكنها كانت تناسب عصرها فقط.... ليس المهم عندنا شكل الحكم ولكن المهم هو أن يحقق نظام الحكم الذى نتخيره مقاصد الشريعة» كانت الطامة الكبرى عند البعض أن الشيخ على عبد الرازق تطرق للخلافة، ونفى فرضيتها أو فريضتها، فقام الأزهر الشريف بسحب شهادة العالمية منه عقابا له على رأيه، وكتب عشرات الكتاب منذ ذلك الحين إلى وقتنا هذا عشرات الكتب التى تحاول تفنيد رأى على عبد الرازق، وكتب العشرات أيضا كتبا تؤيده فى ما ذهب إليه.
    وضح من هذه المعركة أن مصر انقسمت فعلا إلى فريقين، فريق يقول: إن الخلافة فريضة، وهى فريضة حتمية، ولا خيار لنا فيها ولا حق لنا فى تبديلها ويجب أن تكون على شكل الخلافة الراشدة، وهى خلافة ممتدة لا حدود لها ولا أرض ولا وطن إذ المستهدف منها الوصول إلى غاية واحدة هى السيطرة على العالم كله، فحيثما كانت أى أرض يصدح فيها الآذان فهى تابعة للخلافة الإسلامية، لا فرق بين عربى ولا أعجمى، وطننا فى السماء، وطننا هو لا إله إلا الله، ولا عبرة بالأرض ولا الحدود، وكان هذا الفريق يقوده كبار علماء الدين مع بعض الوزراء والشخصيات العامة التابعة للملك فؤاد الأول الذى كان طامحا فى الخلافة بعد أن انقضت الدولة العثمانية.
    أما الفريق الآخر فيقول: «ليس هناك شكل للحكم، ونحن نعيش فى وطن عربى له أصول فرعونية، نستمد عاداتنا وتقاليدنا من تاريخنا ومجتمعنا، ولنا الحق فى أن ننشئ لأنفسنا نظام الحكم الذى يتوافق مع مصالحنا، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال «أنتم أعلم بشؤون دنياكم» وهذه هى دنيانا، لنا أن نضيف لها ما يتناسب مع العصر، ولسنا تابعين ولا ينبغى أن نكون تابعين لدولة أخرى تحت أى مسمى، بلادنا ليست فى السماء ولكنها فى الأرض ذات الحدود المعروفة لنا، والتى ندب عليها بأقدامنا، ندافع عنها بأرواحنا، أما موعدنا فى السماء فسيكون بعد الدنيا.
    انشغلت مصر سنوات بهذا الصراع وما زالت وبعد سنوات قليلة من احتدام هذا الصراع، ومن اتجاه جمهرة من المتدينين بالفطرة والعاطفة إلى «وجوب دولة الخلافة» ظهر شاب درعمى صغير فى طور الشباب الأول، ولد فى مدينة المحمودية، وسافر إلى مدينة الإسماعيلية البعيدة عن مدينته، ليعمل بها مدرسا وفقا لرغبته واختياره، وهناك حيث مجتمع يضم الموظفين الإنجليز والفرنسيين الذين يعملون فى شركة قناة السويس، ويضم أيضا أغلبية مصرية من الحرفيين وصغار التجار وصغار الموظفين، فى هذه البقعة المتنوعة يعلن الشاب الذى كان فى بداية العقد الثالث من عمره إنشاء جماعة دينية اسمها جماعة الإخوان المسلمين، هدفها الأسمى هو «استعادة دولة الخلافة» لا تعترف بالوطن الذى نعترف به، وتريد أن يكون وطنها هو الدين، وليس الطين، لم تكن هذه الجماعة بعيدة عن يد المخابرات البريطانية، بل كانت فى قبضتها وملك يمينها، كانت كقطعة من قطع الشطرنج تحركها يد اللاعب، ليس هذا الكلام من عندياتى ولكنه كلام «كيرتس الرهيب»!

    0 التعليقات:

    إرسال تعليق

     
    تصميم : Bloggermint | تعريب : قوالبنا للبلوجر
    المصري المثقف -2012