"الشخصيات الضالة" من إفرازات الفكر المنحرف
هذا النوع من الشخصيات في الأمة
الإسلامية يمثل شريحة متميزة، تكاد تكون كلها من فئة الشباب، وهي فئة ليست أقل ذكاء من غيرها من فئات المجتمع الأخرى، إن لم
تكن هي من الأكثر ذكاء وثقافة، وهي تضم تحت لوائها طاقات عظيمة وهائلة
ومتنوعة في شتى جوانب الحياة، وهي قادرة على الاضطلاع بمهام عظيمة في الأمة، التي
فيما لو أوكل لها ما هي قادرة عليه وما تشتهيه، وما يتوافق مع مواطن إبداعها،
لقامت بأعباء الأمة كاملة تامة، ولأبرزت في الأمة في بضع سنين ما تعجز عنه شعوب
الدول الأوروبية والأمريكية وغيرها في عقود .
لقد فقدت الأمة الإسلامية هذه الفئة
الضالة من الشباب، بحكم ما نُقل لها من فكر منحرف وإسلام هجين، في المدارس
والجامعات وغيرها، وبما تتمتع به هذه الفئة من ذكاء، فهي لم تقتنع بما نُقل إليها من إسلام، ولم تؤمن بصحته وصلاحيته
للنهضة والتطور والرقي والعمران، ففي باطن الفكر الذي نقل إليها، ترى وتشعر أن ما
نقل إليها تستحيل النهضة به، وترى أن ما نُقل إليها من إسلام، كما هو حاصل لها
الآن، إنما هو أفضل الطرق للتخلف والانحراف والضياع .
بعض من ينتمي لهذه الفئة الضالة، لم يُشغل نفسه يوماً بموطن الداء، وقام يأخذ بالحياة كما
هي معروضة له، وبعضهم ظن أن الداء يكمن في
الإسلام نفسه،
حتى أن تاريخ نهضة المسلمين قد يكون مكذوباً أو مغلوطاً، ونهضة المسلمين ليست
منطلقة من فكر الإسلام ورُقيّه، وإنما هي مقترنة بذكاء وعبقرية بعض الخلفاء أو أحدهم،، وبعض هؤلاء الضالين يقول بأن الإسلام في ظاهره وباطنه صحيح،
إلا أنه يظن أن الإسلام لا يتلاءم مع الواقع الجديد والتطورات العلمية والنهضة
العمرانية الحديثة، أو يظن أن الإسلام لا يستطيع أن يسير بخطى تكافئ التطور الحديث،
أما باقي هذه الفئة الضالة فقد أفتنهم ما وصل إليه الغرب
فانضبعوا به، إلى جوار الفكر الغريب الذي يتلقونه عن الإسلام أنه دين الصلاة
والصيام والشعائر التعبدية، المجردة من أي نظام للحياة .
لقد كان لهذا التحريف
الفكري أثره على أهم فئة من فئات الأمة الإسلامية، ومنها المُحبة للعلم، فجعلها
تفقد ثقتها في الإسلام أو في تعلمه أو في التعامل به أو معه، فلا خير في دين لا يُنهض أصحابه ولا
يُعزهم، ولا يجعلهم يقودون الأمم والشعوب، ويجعلهم يقتتلون مع بعضهم البعض،
ويجعلهم من أفقر شعوب الأرض، وأسفههم، وأقلهم علماً وخلقاً وأدباً، وأقلهم نهضة. وأي دين هذا الذي يجعل أصحابه أكثرهم عبودية للغرب والشرق،
ولأوامر الغرب، ولزراعته وصناعته وخضوعاً لعسكره، فأي دين هذا الذي يستحيل العيش
به وبأفكاره؟ وتستحيل النهضة به؟ ويستحيل الاحتماء به؟
بالتالي تخلى هؤلاء الشباب من الفئة
الضالة عن ما هو غير مقنع وغير مشبع، كما يبدو لهم في الإسلام المحرف عن أصوله
وفروعه، فبقي بعضهم على العقيدة المزيفة، المليئة بالثغرات كما نُقلت لهم، وتبنى
آخرون مفاهيم من غير الإسلام ليستطيعوا العيش بها، حتى ولو كان أصلها من غير عقيدة الإسلام، وسلك آخرون مسالك
غربية أو شرقية، لا يسألون عن أصلها أو موافقة الشرع عليها، حتى لم يتبق عندهم إلا
بطاقات التعريف وجوازات السفر، مسجلاً فيها الدين الذي ينتمون أو كانوا ينتمون
إليه.
وهكذا نشأ في الأمة هذه الفئة من
الشخصيات، التي لم تعد تعرف منهم أو ترى فيهم ما يدلل على إسلامهم، بل وكثرت
الظواهر الغريبة فيهم، كالجهر بالزنا والفواحش، والجهر بالتبرج والتعري، والتفاخر
بالأحساب والأنساب والأوطان (قومية
ووطنية(، وتفشي ظاهرة
الخمر والمخدرات فيهم، وتفشي ظاهرة السرقة والنهب والغش والخداع، وأكل المال
بالباطل، وتفشي ترك الصلاة والصيام والعبادات وقراءة القرآن، وتفشي ترك القرآن
ودراسته والعمل به والدعوة إلى ما فيه، وأقل هذه الفئات سوءاً من لا تجد فيهم أو
منهم من يتعامل بمقياس الحلال والحرام، ولا يعترف بشيء كهذا قليله أو كثيره.
الشخصيات الضالة لم تحظ في الحقيقة
ولم تجد ما حظي به شباب المسلمين، منذ تاريخ الإسلام حتى عهد قريب من احترام
وتشجيع ودعم ومساندة وتوظيف للطاقات، ومن توظيف للأموال والرجال والثروات، لتُسخرها
لهم ولاختراعاتهم وابتكاراتهم وإنتاجهم، بل وجدوا خلاف ما
يجب، وهو محاربتهم ومحاربة ظهورهم وتكميم أفواههم وكبت طاقاتهم، وأبواباً موصدة
أمامهم، وأمام علومهم وإبداعاتهم.
من هؤلاء الشباب من أحب طلب العلم
والعمل به في المجالات المتطورة، وأحب إطلاق عنان إبداعاته الصناعية والزراعية
والتكنولوجية )التقنية( والاقتصادية والسياسية وغيرها، فنظر حوله فلم يجد إلا نوافذ
وأبواباً مفتوحة على أوروبا وأمريكا وروسيا وغيرهم، هُيّئ فيها من الاحترام
والتقدير والأموال والأمن الشيء الكثير مما افتقده في بلدان المسلمين، حتى بات كثير من شباب هذه الفئة الثمينة كنوزاً ظفر بها أعداء
الأمة الإسلامية من الأوروبيين والأمريكان وغيرهم.
وللأسف، فإن
هذه الشريحة من الشباب وطاقاتها العظيمة تمثل شريحة واسعة في الأمة، يتحمل إثم
ضياعها حكام بلدان المسلمين، الذين يحكمون بالكفر ويبددون طاقات الأمة وثرواتها،
يعينهم على هذا الإثم علماء السوء ودكاترة الجامعات والمدرسين بكافة
أصنافهم والمفكرين الضالين، وبكافة ما ينقلونه من دين مُحرّف لأبنائنا وشبابنا
كافة.
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة
الفرقان 17 - 19
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ
وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي
هَؤُلاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ، قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ
يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء وَلَكِن
مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا، فَقَدْ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ
فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ
عَذَابًا كَبِيرًby Dr Mohammed Alturki مدونة سلسلة المعرفة
0 التعليقات:
إرسال تعليق