مناظرة ابن عباس لقوم الخوارج
خرج جماعة من قوم المسلمون (يقدرون علي أقصي
تقدير حوالي عشرون ألفاً) علي عليّ - رضي الله عنه – أمير المؤمنين في ذلك الوقت
ورابع الخلفاء الراشدين ونزلوا في منطقة تسمي الحروراء وعينوا أمير للصلاة وآخر
للقتال، وأن البيعة لله عز وجل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مما يعنى
انفصالهم فعلياً عن جماعة المسلمين.
وكان أمير المؤمنين عليّ حريصاً علي إرجاعهم
إلي جماعة المسلمين، فأرسل ابن عباس إليهم لمناظرتهم، والرواية علي لسان ابن عم
رسول - صلِّ الله عليه وسلم - وحبر الآمة، فيقول:
"خرجت إليهم ولبست أحسن ما يكون من حلل
اليمن، وترجلت، ودخلت عليهم في دار في نصف النهار.
فقالو: مرحباً بك يا ابن عباس، ما هذه الحلة؟
قلت ما تعيبون علي؟ لقد رأيت رسول الله - صلِّ
الله عليه وسلم – أحسن مايكون من الحلل، ونزلت {{ قُلْ
إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ
وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ
يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }}.
قالوا: فما جاء بك؟
قلت قد أتيتكم من عند صحابة النَّبي - صلِّ الله
عليه وسلم - من المهاجرين والأنصار، ومن عند ابن عم النَّبي - صلِّ الله عليه وسلم
- وصهره وعليهم نزل القرآن، فهم أعلم بتأويله منكم، وليس فيكم منهم أحد لأبلغكم ما
يقولون، وأبلغهم ما تقولون، فانتحي لي نفرمنهم، فقلت هاتوا ما نقمتم علي أصحاب
رسول الله - صلِّ الله عليه وسلم - وابن عمه.
قالوا: ثلاث، أما إحداهن فإنهحكم الرجال في
أمر الله، وقال الله: (( إن الحكم إلا لله)) ما شأن الرجال والحكم؟ ، أما الثانية
فإنه قاتل ولم يَسْبِ ولم يغنم، فإن كانو كفاراً لقد حل سبيهم ولئن كانوا مؤمننين
ما حل سبيهم ولا قتلهم، محا نفسه من أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو
أمير الكافرين.
قلت هل عندكم شئ غير هذا؟
قالوا: حسبنا هذا.
قلت لهم أرايتكم إن قرأت عليكم من كتاب الله
جل ثناؤه وسُنَّة نبيه - صلِّ الله عليه وسلم - ما يرد قولكم أترجعون؟
قالوا: نعم.
قلت أما قولكم حكم الرجال في أمر الله، فإني
اقرأ من كتاب الله أنقد صير الله حكمه إلي الرجال في ثمن ربع درهم، فأمر الله تبارك
وتعالي أن يحكموا فيه، أرأيتم قول الله تبارك وتعالي: {{ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ
مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ
ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ }}، وكان من حكم الرجال، أنشدكم
بالله أحكم الرجال في صلاح ذات البين، وحقن دمائهم أفضل أو في أرنب؟
قالوا: بلي.
قلت وفي المرأة وزوجها قال تعالي: {{ وَإِنْ
خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا
مِّنْ أَهْلِهَا }}،
فنشدتكم بالله حكم الرجال في صلاح ذات بينهم وحقن دمائهم أفضل من حكمهم في بضع
امرأة، أخرجت من هذه؟
قالوا: نعم.
قلت وأما قولكم قاتل ولم يَسْبِ ولم يغنم،
أفتسبون أمكم عائشة، تستحلون منها ما تستحلون من غيرها وهي أمكم؟، فإن قلتم إنا
نستحل منها ما نستحل من غيرها فقد كفرتم، وإن قلتم ليست بأمنا فقد كفرتم لقوله
تعالي: {{ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ
أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ }}، فأنتم بين
ضلالتين فأتوا منها بمخرج، أفخرجت من هذا؟
قالوا: نعم.
فقلت وأما محا نفسه من أمير المؤمنين، فأنا أتيكم بما
تضرون، إن النبي - صلِّ الله عليه وسلم - يوم الحديبية صالح المشركين، فقال لعلي:
(( اكتب ياعلي هذا ما صالح عليه محمد رسول الله ))،
قالوا: لو نعلم أنك رسول الله ما قتلناك، فقال رسول الله - صلِّ الله عليه
وسلم - : (( امح يا علي، اللهم إنك تعلم
أنى رسول الله، امح ياعلي واكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله ))، والله
لرسول الله خير من علي، وقد محا نفسه، ولم يكن محوه نفسه ذلك محاه من النبوة،
أخرجت من هذه؟
فقالوا: نعم".
فرجع منهم ألفان وخرج سائرهم، فقاتلوا علي ضلالتهم،
وقتلهم المهاجرون والأنصار.
0 التعليقات:
إرسال تعليق